بينما تسعى إدارة الرئيس بوش إلى حشد الدعم الدولي لممارسة المزيد من الضغوط على إيران في محاولة لوقف برنامجها النووي، تبذل الصين وروسيا الجهد نفسه لإبعاد الخيار العسكري، أقوى "سلاح دبلوماسي"، عن طاولة النقاش. فقد أعلنت موسكو وبكين عن ضرورة تفادي مشروع القرار الذي يقضي بفرض عقوبات على طهران أية لغة يمكن أن تستخدم لاحقاً كذريعة لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وقد تلقت كل من روسيا والصين دعماً ضمنياً من الشركاء الأوروبيين للولايات المتحدة، وهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا. لكن المحللين المتابعين للنقاش الدائر حالياً في أروقة الأمم المتحدة يعتبرون أن رفض الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن لاحتمال، اللجوء إلى الخيار العسكري، مهما كان بعيداً، يضعف من قدرة منظمة الأمم المتحدة على التصدي لأحد أهم التحديات التي تواجهها في القرن الحادي والعشرين والمتمثل في إمكانية ظهور حكومة راديكالية في الشرق الأوسط تملك السلاح النووي. وفي هذا الإطار يقول "باتريك كلاوسون"، نائب مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "ماذا تبقى من وسيلة ذات مصداقية بعدما قلنا للإيرانيين إننا لن نلجأ إلى استعمال الشيء الوحيد الذي يخيفكم فعلاً وهو القوة العسكرية؟"، مستطرداً: "لابد لمجلس الأمن أن يبقى الخيار العسكري على الطاولة إذا أراد لقراراته أن تتمتع بالمصداقية"، لاسيما في حالة عزم الدولة التي هددت بمحو إسرائيل من الخريطة امتلاك السلاح النووي. ومن ناحيته يشير "إدوارد لوك"، المؤرخ من جامعة كولومبيا والمتخصص في شؤون الأمم المتحدة، إلى أن سبب التحفظ الصيني والروسي على التلويح بالخيار العسكري هو "الخوف من أن يمهد قرار فرض العقوبات لشن حملة عسكرية كما حدث مع العراق". غير أن "لوك" يؤكد أن الجدل السياسي الذي يعيق استصدار القرار ينال من مصداقية الأمم المتحدة ومن قدرتها على معالجة القضايا الدولية. ويتزامن النقاش المحتدم بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن حول قرار العقوبات مع تغير ملحوظ في موازين القوة بمنطقة الشرق الأوسط ويقلل أصلاً من احتمال لجوء الولايات المتحدة إلى الخيار العسكري في التعامل مع إيران، لاسيما في ظل الصعوبات التي تواجهها واشنطن في العراق وأفغانستان وانحسار الدعم الشعبي داخل أميركا لأي مغامرة عسكرية جديدة. ورداً على المخاوف الأوروبية من احتمال تمهيد القرار الجديد لحرب أخرى في المنطقة تؤكد إدارة الرئيس بوش بأنها رغم إصرارها على التلويح باستخدام القوة في نص القرار، فإنها لا تعتزم اتخاذه كذريعة لشن حملة عسكرية على طهران، بل تهدف في النهاية إلى تعزيز موقف المجتمع الدولي وإرغام إيران على وقف برنامجها النووي. بيد أن الدبلوماسيين الصينيين والروس يبررون معارضتهم الإشارة إلى احتمال استخدام القوة في القرار الأممي بما حدث قبيل احتلال العراق، عندما فشلت الولايات المتحدة وبريطانيا في تأمين دعم مجلس الأمن لحربهما على العراق، فاستندتا إلى قرار يعود تاريخه إلى 12 سنة إلى الوراء كسند قانوني لشن الحرب. ولا يخفي دبلوماسي صيني، رفض الكشف عن هويته، تخوفه من النوايا الأميركية، حيث قال "لقد تعلمنا الدرس مما كان جرى قبل غزو العراق ونريد هذه المرة أن نكون واضحين منذ البداية". ونفس الأمر ينطبق أيضاً على الجانب الروسي، حيث صرح وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" أمام الصحفيين في شهر مارس الماضي بأن النقاش الجاري حول إيران يذكره بالفترة التي سبقت الحرب على العراق قائلاً "يبدو وكأننا نعيد السيناريو ذاته، ولا أعتقد بأننا مستعدون للانخراط فيما يمكن أن يبدو على أنه نبوءة تحقق نفسها. فنحن مقتنعون بأنه لا يوجد حل عسكري للأزمة الحالية". ويشير المراقبون من داخل الأمم المتحدة إلى أن مثل هذا الخلاف بين الدول الأعضاء ينزع المصداقية عن المنظمة الأممية ويعزز من الموقف الإيراني، فضلاً عن دول أخرى مثل كوريا الشمالية والسودان التي بدأت تتحدى علناً مجلس الأمن دونما خوف من العقوبات. وفي خطاب ألقاه نائب الأمين العام للأمم المتحدة "مالوك براون" الشهر الماضي في مؤسسة "بروكينجز" بشأن مجلس الأمن قال "هناك ثغرات في القرارات الأممية يتعين سدها" مدللاً على ذلك برفض السودان طلب مجلس الأمن نشر 20 ألفاً من القوات الأممية في دارفور بعدما، فسرت الخرطوم سلبية المجلس على أنها ضعف منه وعدم قدرة على الخروج بقرار حاسم حول الموضوع. وقد انصب النقاش بشأن استخدام القوة ضد إيران وكوريا الشمالية حول الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد عليه في السابق لضمان تنفيذ القرارات الأممية تحت تهديد العقوبات الاقتصادية، أو القوة العسكرية. وهو الفصل الذي طالما رفضت روسيا والصين الاعتماد عليه لإصدار القرارات الأممية خوفاً من اللجوء إليه لتبرير الحرب. لكن إدارة الرئيس بوش ترى غير ذلك إذ تعتبر أن الفصل السابع ضروري لضمان تنفيذ القرارات الأممية، مؤكدة على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة جون بولتون "أنه غير صحيح ما يُقال عن الفصل السابع من أنه يبرر القوة العسكرية". ونفس الطرح يتبناه السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة "جونز باري" الذي صرح على هامش النقاش الأخير حول كوريا الشمالية قائلاً: "هناك سوء تفسير للفصل السابع من أنه يقود تلقائياً إلى استخدام القوة". وللخروج من المأزق اقترحت بريطانيا وفرنسا وألمانيا حلاً وسطاً يتمثل في إصدار قرار يشير إلى الفصل السابع، لكنه يلغي بوضوح وصراحة أي توظيف له لاتخاذ تدابير عسكرية ضد الدول. كولومب لينتش محرر الشؤون الخارجية في "واشنطن بوست" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"