ماذا لو تحوّل كوكب الأرض إلى كتلة نارية ملتهبة؟ ما الذي سيحلّ بالبشر؟ وإذا كان هذا السؤال غير ذي جدوى، في نظر مجموعات من البشر، فإن السؤال الجدير بأن يكون ذا جدوى، إنما يستمد مرجعيته وشرعيته من المقولة التالية: كلما ازدادت قيمة الأشياء، انحطّت قيمة البشر. من موقع هذه المقولة المرعبة والمتعاظمة في خطورتها، خرج آلاف من "الخضر- المدافعين عن البيئة" في لندن منذ بعض الوقت، ليعلنوا شعارهم الكبير: العدالة من أجل مناخ للعالم. لقد أطلق الشرارة مجدداً مجموعة من العلماء البريطانيين المرتبطين بقيم الإنسانية والحقيقة، وعلى رأسهم "سترن"، فقامت تلك الآلاف بمسيرة حاشدة في لندن. وللدلالة المهمة على ذلك، انطلقت المسيرة من السفارة الأميركية في لندن، لتصل إلى ميدان الطرف الأغر، كما جاء في الأنباء، معلنة أنها تحتج بقوة، خصوصاً، ضد الرفض الذي أعلنه الرئيس بوش للمصادقة على بروتوكول "كيوتو". وهناك حيث انتهت المسيرة إلى "الطرف الأغر"، أعلن مدير منظمي حركة "وقف الفوضى المناخية" (أشوك سينها)، أن البشر في معظم العالم، راحوا يعون أن التحولات التي تطرأ على المناخ، إنما تنطوي على دلالات متعددة، منها ما هو إنساني عمومي يهم جميع من يعيش على سطح هذه الأرض ويرغب في بيئة نظيفة شفافة، ومنها ما هو ذو بعد اقتصادي يتجلى في توافر الشروط الطبيعية للإنتاج الاقتصادي على نحوٍ يؤدي إلى الرخاء العمومي. وأخيراً منها ما هو ذو طابع وجودي، يُفصح عن نفسه بصيغة الحفاظ على الأجيال وتجنيبها الكوارث الطبيعية القاتلة. أما الأمر المدهش في المسألة، فيتمثل في الواقعة الفجّة التالية، وهي أن الولايات المتحدة، التي تعتبر أكبر مصْدر لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم برمته، امتنعت عن تسديد حصتها السنوية المالية لمواجهة تلك الانبعاثات، بعد أن انسحبت من بروتوكول "كيوتو". ولعل الأمر يكتسب، الآن بعد نشر تقرير "سترن"، اهتماماً خاصاً من قبل الدول الصناعية الغنية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. فلقد جاء في التقرير المذكور أن ظاهرة الاحتباس الحراري، تحمل في ثناياها نتائج اقتصادية خطيرة، وذلك بأن يأخذ الاقتصاد الدولي بالانكماش بنسبة 20 في المئة. وبعد هذا كله، بما فيه من عناصر محذّرة، تبرز مشكلة أخرى، يمكن النظر إليها بمثابتها المدخل إلى ما نحن بصدده: تلك هي تحديد التكلفة، التي يتطلبها مشروع تنقية البيئة العالمية أولاً، وتوزيع هذه التكلفة على بلدان العالم ثانياً. ما قيمة الدفع، ومن يدفع؟ إن "قيمة الدفع" يمكن أن تحددها لجنة أو لجان تنبثق مِمّا يمكن أن ينشأ تحت اسم معاهدة جديدة تحلّ محل بروتوكول "كيوتو" المتعثر على مدى سنين منصرمة. لكن السؤال المحدّد بمن يدفع، يثير أفكاراً واقتراحات ووجهات نظر مختلفة. ومع حصر الأمر بفئتين اثنتين هما أغنياء العالم وفقراؤه، يصبح واضحاً أن الفئة الأولى هي المدعوة إلى تمويل المشروع المعني لثلاثة اعتبارات على الأقل. أما الاعتبار الأول، فيتحدد في أن أغنياء العالم المتوضِّعين في دول العالم الغنية هم من يملك المال اللازم لذلك، في حين يتضح الاعتبار الثاني بكون تلك البلدان هي المسبِّب الأول والأعظم لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، نظراً لصناعاتها العالية التقدم والمعقدة في تقنياتها، التي تطرح كماً متعاظماً من الانبعاثات المذكورة. أما الاعتبار الثالث، فيفصح عن نفسه في الشق الإنساني الأخلاقي، الذي يحول -والحال كذلك- دون القول إن فقراء العالم ودولهم هم أيضاً مطالبون في الدفع، لأن هؤلاء -والحديث يدور على الشعوب وليس على النظم الفاسدة مالياً أيضاً- هم ضحايا المشكلة برمتها خارجاً وداخلاً. وهذا -بدوره- لا يقتضي التمييز بين الدول الغنية والدول الفقيرة فحسب، بل يقتضي كذلك التمييز بين النظم الأمنية الفاسدة المُفسدة في إطار الدول الفقيرة والمدعومة من قبل أصحاب القرار في الدول الغنية من طرف، وشعوب تلك الدول الفقيرة من طرف آخر. من هنا، كان ضرورياً من أجل الوصول إلى إقلاع ناجح لمشروع الوقوف في وجه الاحتباس الحراري، بسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أن يجري الاتفاق على وضع فروق كبرى بين الدول الفقيرة والأخرى الغنية على هذا الصعيد، وذلك ربما إلى درجة إعفاء الدول الأولى من أي دفع مالي.