في محاولة للابتعاد عن الموقف الاستراتيجي التقليدي من القارة الأفريقية التي يضعها في أسفل سلم الأولويات يسعى "البنتاجون جاهداً إلى استحداث قيادة إقليمية جديدة مكرسة على نحو حصري للقارة الأفريقية، حيث من المحتمل أن يطلق عليها اسم "القيادة الأفريقية". وتعتبر هذه الخطوة نقلة نوعية للجيش الأميركي في التعامل مع القارة المضطربة التي كثيرا ما أبقتها الولايات المتحدة بعيدة عن مركز اهتمامها. وبينما يأتي مطلب إقامة قيادة أفريقية متأخرا بعض الشيء، إلا أنه يجب توخي الكثير من الحذر لتحقيق هذا الهدف من دون إثارة الشكوك، أو التوجس لدى الدول الأفريقية. وتنبع الحاجة الأميركية لاستحداث قيادة عسكرية جديدة تشرف على القارة الأفريقية من الأهمية الاستراتيجية المتزايدة التي باتت تتمتع بها على الصعيد الدولي. ففي غضون عقد واحد ستستورد الولايات المتحدة 25% من احتياجاتها النفطية من القارة الأفريقية، وبصفة رئيسية من نيجيريا والجزائر وأنجولا. ويضاف إلى ذلك أن عددا متزايدا من الدول الأفريقية مرشحة لتصبح ملاذا آمنا للإرهابيين، أو هدفا لعملياتهم كما تجلى ذلك في التفجيرات التي نفذها تنظيم القاعدة عام 1998 ضد السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا. ولا ننسى أيضا انتشار الإسلام الراديكالي في بعض البلدان الأفريقية الذي يرجع في جزء منه إلى رعاية السودان للإرهاب، فضلا عن وقوع الصومال تحت نفوذ المتطرفين الإسلاميين. وخلال الخمس عشرة سنة الأخيرة تدخل الجيش الأميركي في أفريقيا أكثر من عشرين مرة، بما في ذلك تدخله عام 2003 في ليبيريا، حيث ساهم في وقف الحرب بين الفصائل المتصارعة في البلاد. واليوم تقوم الولايات المتحدة بتوفير الدعم الضروري لقوات حفظ السلام الأفريقية المتواجدة في منطقة دارفور بالسودان، إذ من المتوقع أن تستمر الحاجة لذلك الدعم في القارة الأفريقية. غير أنه في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة إمكانية إقامة قيادة عسكرية خاصة بأفريقيا تقوم الصين من ناحيتها بتعزيز علاقاتها مع أفريقيا، لا سيما وأن تجارتها مع القارة في تصاعد مستمر. كما تسعى بكين إلى تأمين حصتها من الموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة السمراء، حيث تعتبر أيضا ثاني مستورد للنفط الأفريقي بعد أميركا، علاوة على الترحيب الكبير الذي تستقبل به من قبل الدول الأفريقية بسبب التزامها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. لذا فإن استحداث القيادة العسكرية الخاصة بالقارة الأفريقية سيؤدي إلى تعويض التقارب الصيني- الأفريقي بتواجد أميركي أقوى أثراً ونفوذاً، فلماذا التخلي عن القارة لبكين، التي تقوض سياساتها السلبية الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والشفافية؟ ويشار إلى أن القارة الأفريقية موزعة اليوم بين ثلاث قيادات أميركية رئيسية هي القيادة الأوروبية والقيادة الوسطى وقيادة المحيط الهادي. وبينما تعكس القيادة الأوروبية التي تشرف على 45 دولة أفريقية تَركَتي الحرب الباردة والاستعمار، بكل ما تحمله هاتان الكلمتان من ذكريات سيئة بالنسبة للأفارقة، فإن قيادة الخطة الموحدة الأميركية فشلت في الاضطلاع بمهمتها، لا سيما بعدما تم تعديلها أكثر من عشرين مرة طيلة الفترة السابقة دون أن تفضي إلى النتائج المرجوة. وإذا كانت الوظيفة الأساسية للقيادة العسكرية تتمثل في وضع الخطط اللازمة لمواجهة حالات الطوارئ في القارة الأفريقية، إلا أن المنطقة الوسطى أصبحت عاجزة عن الاضطلاع بهذه المهمة بسبب انشغالها بالحرب الدائرة في أفغانستان والعراق، ومراقبتها لإيران. وحتى القيادة الأوروبية التي كانت في السابق تهتم بما يجري في أفريقيا أصبحت اليوم أكثر اهتماما بتوسيع حلف شمال الأطلسي إلى الحدود الشرقية لأوروبا، فيما تبعد قيادة المحيط الهادي بأكثر من 10 آلاف كيلومتر عن مدغشقر. وهكذا أصبحت القيادات العسكرية الأميركية رغم انتشارها في العديد من مناطق العالم غير قادرة على مراقبة ما يجري في الساحة الأفريقية والأقاليم الشاسعة التي تعاني مشاكل في الحكم وغيرها. وسيساهم إحداث قيادة عسكرية خاصة بالقارة الأفريقية في تحسين القدرات الاستخباراتية للولايات المتحدة في المنطقة بعدما أصابها الضمور عقب انتهاء الحرب الباردة، كما أنها ستجعل أميركا أكثر قدرة على التدخل في القارة والتقليل من النفقات المصاحبة لذلك. فلو كانت الولايات المتحدة تمتلك قيادة عسكرية أفريقية لاستطاعت تجنب الأزمة الصومالية عام 1993 وتعثر القوات الأميركية هناك، ولاستطاعت أيضا تفادي مجزرة رواندا عام 1994 التي راح ضحيتها الألوف من الأبرياء. ويفترض من القيادة العسكرية الجديدة التي تهتم بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالقارة الأفريقية أن تعزز التعاون بين وزارة الدفاع الأميركية ووزارة الخارجية، فضلا عن العديد من الوكالات الأميركية العاملة في الدول الأفريقية. وإذا ما تم وضع القيادة العسكرية على أسس سليمة فإن نفوذا جديدا سيضاف إلى السفراء الأميركيين العاملين في الدول الأفريقية. وفي هذا الإطار يتعين على وزارة الخارجية أن تتصدر جهود صياغة السياسية الخارجية الأميركية، لا سيما في مجال دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقود جهود إعادة الإعمار على أن تهتم وزارة الدفاع بالمسائل العسكرية الصرفة. لكن الأهم من ذلك أن تبقي القيادة الأفريقية عدداً محدوداً من القوات الأميركية في أفريقيا والتشديد على أن تعاونها مع الحكومات الأفريقية في المجال العسكري لا يعني بالضرورة التدخل في شؤون تلك الدول، أو فرض سياسات معينة. وفي هذا الصدد لا بد من التأكيد على أن إحداث قيادة أفريقية إنما يهدف قي النهاية إلى تعزيز الشراكة الأميركية الأفريقية مع الحرص الشديد على ألا تفهم تلك الشراكة كسباق جديد للفوز بخيرات القارة على حساب ازدهار شعوبها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إيد رويس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو الكونجرس الأميركي، ورئيس اللجنة الفرعية حول أفريقيا في الفترة بين 1997 و2005 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"