ناهز روبرت غيتس الآن الثالثة والستين من العمر، وكان قد التحق بوظائف رفيعة قيادية في واشنطن، بما فيها إدارته لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وعمله نائباً لمستشار الأمن القومي في عام 1991. وإلى جانب ذلك، فقد تولى في السنوات الأخيرة الماضية، رئاسة جامعة "إي بي إم تكساس". وكان ممكناً له من تلك الجامعة التي تحتوي المكتبة الرئاسية للرئيس جورج بوش، أن يقوم بكافة المهام العالمية الكبيرة التي يمكن لشخصية مثله الاضطلاع بها، ممهداً لنفسه تقاعداً مريحاً آمناً وخالياً من نزاعات آخر العمر. لكنه وبدلاً من ذلك، آثر ركوب الطريق الصعب، وتولي المهام الخطيرة الكبيرة في خريف عمره. فها هو وقد أصبح لزاماً عليه العودة مجدداً إلى واشنطن، لتولي مهام وزارة الدفاع، في أكثر حقب التاريخ الأميركي صعوبة واضطراباً. فقد طلب منه الرئيس بوش أن يأتي إلى جانبه ليعينه في ترتيب الفوضى العراقية التي أحدثها رامسفيلد، المتوقع إخلاؤه لمنصبه قريباً. وكما نعلم فإن سياط النقد ستنهال عليه من خصومه اليساريين واليمينيين معاً. فمن الانتقادات التي تنهال عليه من جانب اليسار، جاء في مقال نشر بموقع "ديلي كوز" الإلكتروني ما يلي: "بتمويله لعمليات أسامة بن لادن، وتوفير معسكرات التدريب لمقاتليه، وكذلك مده بالأسلحة والنفوذ السياسي منذ عام 1997 وقبل الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، فقد أهدانا روبرت غيتس شخصياً، عدونا الرئيسي في ما نسميه بـ"الحرب على الإرهاب". فهل فهمت الآن؟ لقد فعل ذلك غيتس شخصياً". وإذا كانت القاعدة العامة في حلبة السياسة هي أنه ما أن يتعرض أحدهم للهجوم من جانب ما، حتى يبادر الطرف الآخر للدفاع عنه، فإن هذه القاعدة لا تسري على غيتس بأي حال، لكونه يتعرض لهجوم مشابه من جانب "المحافظين الجدد". ومن هذا القبيل ما نشره "رويل مارك جرشيت"، وهو باحث في معهد "أميركان إنتربرايز" في صحيفة "وول ستريت" يوم الجمعة الماضي، ناعتاً غيتس بعدة عبارات جارحة، أقلها أنه شخصية غير محبوبة ولا مرغوبة... فمرحباً به على أية حال. وليست هذه الانتقادات وأمثالها هي العقبة الكبرى أمام تولي غيتس لمنصبه الجديد، بل إنه لا يزال عليه اجتياز عقبة موافقة مجلس الشيوخ على تعيينه. وعلى حد وصف "جون تاور" الذي كان قد رفض تعيينه للمنصب نفسه في عام 1989، فإن الحصول على موافقة وإجماع المجلس على منصب وزير الدفاع، ليس بالأمر السهل الذي يمكن الرهان عليه. ولعل ما يزيد من حجم العقبة التي يواجهها غيتس في مجلس الشيوخ، اقتراب السيناتور "كارل ليفن" من تولي مسؤوليته في رئاسة لجنة الخدمات المسلحة التابعة للمجلس، مع العلم أن "كارل ليفن" هو من صوت سلباً ضد تعيين روبرت غيتس مديراً لوكالة "سي آي إيه" من قبل. وقد تكشف جانب من هذه الصعوبة الخاصة التي تنتظر غيتس أمام "ليفن"، من خلال تصريح أدلى به هذا الأخير، في لقاء أجرته معه شبكة "إي بي إس" يوم الجمعة الماضي، جاء فيه: "لم أحدد بعد ما الذي سأفعله مع السيد غيتس. والمعلوم عن ليفن كونه أحد أشد منتقدي الحرب على العراق". وبعد ذكرنا لكل هذه المصاعب والمتاعب التي تتربص بغيتس في مهمته الجديدة هذه، فقد حانت لحظة إثارة السؤال المهم: لماذا يعرض نفسه لكل هذا؟ فمما لاشك أن ثمة إغراء شخصياً كبيراً لكل أميركي أن يكون في المرتبة التالية مباشرة لرئيس أركان الجيش. غير أن فيليب هيوز، الذي سبق له أن عمل إلى جانب غيتس في مجلس الأمن القومي في أواخر عقد الثمانينيات، يقدم إجابة مختلفة ومثيرة لشكوك وانتقادات المنتقدين، ألا وهي حرص غيتس على الخدمة الوطنية والصالح القومي العام لبلاده. جيمس بي. بنكرتون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"