في مقال الأسبوع الماضي أشدتُ بالتجربة الوليدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في ميدان الديمقراطية، والتي تعد خطوة محسوبة في هذا الميدان. وربما يظن البعض أن هذه التجربة خطوة متواضعة في هذا المجال لكنها في حقيقة الأمر مؤشر حساس لمدى الرغبة الصادقة لتطوير مفهوم المشاركة الشعبية في الدولة دون الاصطلاء بنيران التجارب الديمقراطية في العالم العربي وفي المنطقة تحديداً. أكتب هذا المقال، وأنا في جولة قادتني إلى بعض العواصم العربية التي تأخرت لأسباب كثيرة وأحد هذه الأسباب هو التطبيق المعوج للديمقراطية، التي حولت المجتمع إلى أحزاب متناحرة همها الفوز بالانتخابات، ولو كان ذلك على حساب الوطن، مما قاد أحد المواطنين العرب للقول لي كلنا نتمنى أن نعيش في دولة الإمارات لأنها حققت بلا أحزاب ما نفتقده اليوم في دولنا والتي تدعي الديمقراطية. بلاشك أننا لا نريد لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تصل إلى ما وصلت إليه بعض الدول العربية، والتي سبقناها في ميادين كثيرة منها الاقتصاد والاتصال والعالمية في مجالات كثيرة. لذلك دعونا نطلقها صراحة: لا نريد حزبية قاتلة في دولة الإمارات، والتي قد تكون الممارسات الانتخابية هي الطريق إليها كما هو الحاصل في كثير من الدول العربية. قبل مغادرتي للدولة تابعت بعض التصريحات الانتخابية والتي تناقلتها الأجهزة الإعلامية، عن بعض الإخوة والأخوات المرشحين للدورة القادمة للمجلس الوطني وهي تمثل منعطفاً حرجاً في التجربة البرلمانية في الدولة لكنها تشير في بعض الأوقات إلى بعض الأمور الواجب الانتباه لها. فبعض من صرح في الإعلام لا يعرف مثلًا الفرق بين المجلس الوطني الاتحادي والدور الذي تقوم به الإمارات على صعيدها المحلي، كما أن بعض التصريحات تدل على طموح لا يتناسب مع السقف التشريعي للمجلس الوطني الاتحادي، وآخر يدل على خلط غريب في الأدوار، والقصد من هذه المقتطفات ليس التشهير بأصحابها فلهم الحق في التعبير عن وجهة نظرهم. لكنني أرى أهمية معرفة القوائم الانتخابية لمن سيتم ترشيحه على مستوى كل إمارة بعيداً عن أي نوع من الحزبية المبنية على أساس قبلي أو فكري، وأخطر هذه الحزبيات هو المبني على أساس ديني، فما الحل يا ترى؟ كيف تتعرَّف القوائم الانتخابية على من ترشح دون خلط للتصريحات الإعلامية وفي نفس الوقت بعيداً عن الحزبية. دعوني أقترح على السادة الكرام في وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي القيام بتجربة ربما تكون فريدة على مستوى الانتخابات البرلمانية العربية، ملخصها دعوة الأعضاء الراغبين في ترشيح أنفسهم لعضوية المجلس الوطني إلى مناظرة يحضرها أعضاء اللجنة الانتخابية لكل إمارة. يتم خلال هذه المناظرة طرح عدد من الأسئلة المعدة سلفاً ويقوم كل مرشح بالتجاوب مع هذه الأسئلة كي يكشف أوراقه أمام اللجنة الانتخابية وعندها سيتعرف الناخبون على من يختارون لتمثيلهم في المجلس الوطني دونما حزبية من أي نوع يذكر، لكن وفق الطرح العقلاني لهذا العضو بعد تجاوبه مع هذه الأسئلة التي تعرض عليه. دعوني أقرب الصورة أكثر لو تصورنا أن إمارة من الإمارات لها عضوان في المجلس وبلغ عدد المرشحين ستة، كيف سيعرف أفراد القوائم الانتخابية من هو المرشح الأفضل؟ لسنا بحاجة إلى خيام انتخابية ولا استعراضات إعلامية ولا شعارات طنانة رنانة، لكننا بحاجة إلى مكان يجتمع فيه المرشحون الستة مع القائمة الانتخابية، وهناك مدير للقاء يطرح عدداً من التساؤلات يجاوب عليها المرشحون بكل حرية، وبعد ذلك تتم عملية التصويت لاختيار أفضل اثنين من الستة. قد يضحك البعض من هذا التصور، وقد ينظر إليه على أنه تبسيط لمعاني الانتخاب والديمقراطية لكنها فكرة ممارسة في بعض الدول الديمقراطية، وهي في تصوري أكثر نجاحاً من الخيم الانتخابية. كلنا يرغب في الديمقراطية لكننا نريدها بعيداً عن الحزبية التي تؤخر المتقدم.