هل تتذكرون تصويت الكونجرس الأميركي لصالح بناء الجدار الممتد على طول الحدود الأميركية- المكسيكية؟ لكن حتى لو تذكرتم فقد لا يكون الأمر أكثر من خدعة. ففي شهر سبتمبر الماضي صوت مجلس النواب بـ283 صوتا لصالح مشروع الجدار مقابل 138 عضوا عبروا عن رفضهم لبنائه، وفي مجلس الشيوخ صوت 80 عضوا لصالح بناء الجدار مقابل 19 رفضوا منح الترخيص للجدار الذي سيمتد على طول 700 ميل من الحدود الأميركية- المكسيكية. فهل نكون بذلك قد انتهينا من مهمة حماية الحدود بالنظر إلى موافقة الكونجرس على بناء الجدار؟ الواقع أن ذلك مازال بعيد المنال لسبب بسيط هو أنه حتى في حال بناء الجدار فهو لن يغطي أكثر من ثلث المساحة الممتدة عبر الحدود الأميركية- المكسيكية. أما السبب الثاني، فيتمثل في أن ترخيص الكونجرس لبناء الجدار لا يعني أنه وافق على تمويله، لا سيما وأن التقديرات تشير إلى أن الكلفة الإجمالية للجدار قد تتراوح ما بين 4 إلى 8 مليارات دولار. ومن ناحية أخرى فإن أعضاء مجلس النواب الذين ترأسوا في السابق لجنة الأمن القومي المسؤولة عن ملف الهجرة مثل "الجمهوري" توم تانكريدو من ولاية كولورادو الذي صوت لصالح بناء الجدار قد تركوا مناصبهم بعد الانتخابات الأخيرة التي حملت إلى اللجنة أسماء أكثر ليونة في التعامل مع ملف الهجرة. ولعل من أبرز تلك الأسماء التي دخلت لجنة الأمن القومي النائب "بيني طومسون" المعروف بموقفه غير المتشدد في قضية الهجرة والذي صوت ضد مشروع بناء الجدار الحدودي قبل شهرين. لذا لم يكن غريباً أن يدلي طومسون بتصريح أمام الصحفيين يوم الإثنين الماضي قال فيه إنه يعتزم إعادة النظر في مسألة بناء الجدار، مضيفاً أنه يميل أكثر إلى إقامة "حائط افتراضي" تستخدم فيه وسائل المراقبة المتطورة مثل الكاميرات وغيرها. لكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت عبارة "إعادة النظر" في الجدار الحدودي إنما تعني في النهاية إلغاءه كليا. ولا بد من الإشارة هنا أن بيني طومسون لا يعبر عن رأي انفرادي، ولا يعكس حالة منعزلة بل هو جزء من تيار قوي داخل الحزب "الديمقراطي" يرى بأن فتح الحدود الأميركية هو أمر مفيد. ولدعم وجهة نظرهم يسوق "الديمقراطيون" ثلاث حجج تستند الأولى إلى التصورات القائمة على التعددية الثقافية وعلى عبارات مثل "في الاختلاف تكمن القوة" وغيرها من الأفكار التي تعتبر من صميم الحزب "الديمقراطي". ويعتقد "الديمقراطيون"، وهي حجتهم الثانية، أن المهاجرين من أصول لاتينية هم أكثر ميلاً لمنح أصواتهم لصالح الحزب "الديمقراطي". وحتى إذا كان المهاجرون من أصول لاتينية يتحولون مع مرور الزمن إلى "جمهوريين" فإن ذلك سبب آخر يدعم حجة "الديمقراطيين" في عدم بناء الجدار. وأخيرا يؤمن العديد من "الديمقراطيين" بمقاربة الاتحاد الأوروبي في معالجة القضايا، معتبرين أن الحدود جزء من مزبلة التاريخ. وبهذا المعنى يتحول الجدار الحدودي إلى عائق أمام التعددية الثقافية والديمقراطية وغيرها من الأفكار الليبرالية المعروفة. وفي الوقت نفسه تدافع رئيسة مجلس النواب الجديدة نانسي بيلوسي إلى جانب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد، اللذان صوتا ضد قرار بناء الجدار، عما يسمونه "بالإصلاح الشمولي للهجرة". وبالطبع تستخدم عبارة "شمولي" لإقناع الرأي العام بأنه سينظر إلى المشكلة من سائر الزوايا الممكنة. والحقيقة أن الإصلاح الشمولي إنما يعني اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير المعقدة والمتداخلة إلى درجة أن المواطن العادي لن يتمكن أبدا من معرفة ما يجري فعلا. وقد يظن البعض أن الحزب "الجمهوري" الذي يتكلم عن تحقيق السلام من خلال القوة ويتعهد بالوفاء للقيم الأميركية لن يكون له دخل بمثل تلك الحلول التي يقترحها الحزب "الديمقراطي" وتهدد بإضعاف أميركا. لكن اللافت أن معظم قادة الحزب "الجمهوري" بدءا من الرئيس بوش نفسه وانتهاء بالسيناتور "جون ماكين"، وزميله في مجلس الشيوخ "ميل مارتينيز" يساندون الهجرة ويسعون إلى تكريسها مثل اقتراحهم لبرنامج العمال المؤقتين. جيمس بنكرتون ــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"