تحدثت سابقاً عن موضوع الحجاب، وطالبت بالانتباه إلى الحملة الموجهة ضد حجاب المرأة المسلمة منذ سنوات، لأنها في حقيقتها ليست حملة ضد الحِجاب فقط، بل تأتي ضمن حالة "العداء" ضد الإسلام والمرأة المسلمة واللغة العربية. ولعل أكبر مثال على ذلك، التقرير الذي نشرته صحيفة عربية مؤخراً، والذي أوضح قلق بعض المؤسسات الدينية العليا في الغرب من تزايد المحجبات في أوروبا، إذ ترى هذه المؤسسة في ذلك مؤشراً لارتفاع عدد المسلمين، بل إن أحد الكاردينالات قال بصراحة: "إن على المهاجرين احترام تقاليد وثقافة ودين الدول التي يذهبون إليها، وأن يطيعوا القوانين المحلية التي تمنع ارتداء النقاب". ما جعلني أعود مرة أخرى للحديث عن هذا الموضوع، ثلاثة أمور هي: 1- انتقال الحالة العدائية إلى ساحات من الداخل، حيث وصول الأمر في بعض الدول العربية إلى ملاحقة المحجبات من طرف الأجهزة الأمنية. 2- تزايد الأصوات المطالبة بنزع الحجاب في بعض الدول العربية أيضاً، وآخرها ما أدلى به أحد كبار المسؤولين في دولة عربية حين قال: "إن حجاب المرأة تأخر وعودة للوراء، وإن النساء بشعرهن الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس، وإن مصر يجب أن تعود جميلة كما كانت، وتتوقف عن تقليد العرب الذين كانوا يعتبرونها في وقت من الأوقات قطعة من أوروبا"! 3- رسائل الشكاوى التي تنشر حول معاناة المرأة المُحجبة؛ سواء في عملها أو في سعيها للحصول على وظيفة... وآخر هذه الرسائل كتبتها فتاة محجبة (صحيفة "سفن ديز"، بتاريخ 19/11/2006)، تقول فيها: "قبل أيام ذهبت لمقابلة في أحد المعارض الكبرى، وكانت المفاجأة أنه تم رفضي لأنني مرتدية الحجاب. لم أتوقع في حياتي أن يحدث في بلد إسلامي، كنت محبطة ولم أستطع أن أفعل شيئاً...". إني هنا أتحدث عن حالة ليست بالجديدة، أما الجديد فهو كونها أصبحت تتمدد بشكل خطير وملفت للنظر، وهي حالة لها خلفيتها التاريخية والسياسية. تشير الكاتبة البريطانية كارين آرمسترونج في مقالتها "التفسير السياسي للحجاب"، إلى أنه بعد احتلال الإنجليز لمصر تعامل القنصل العام اللورد كرومر مع الحجاب كعائق يحْرم المصريات من الاندماج في الحضارة الغربية. واستغل كرومر أفكار حرية المرأة لدفع المشروع الاستعماري إلى الأمام، واشتعلت الأمور في مصر عندما وجد كرومر من يؤيد وجهة نظره بين المصريين. وبعد هذه الدعوة بقليل، أي في عام 1889، أصدر الكونت داركور كتاباً هاجم فيه مصر والمثقفين لقبولهم بالحجاب. لكن أهم من ذلك أنه في عام 1899 نشر قاسم أمين كتابه "تحرير المرأة" الذي حمل في داخله المبادئ التي طالب بها كرومر، وهي منع الحجاب وربطه بكل ما هو سيئ. وقد قام الإنجليز بترجمة الكتاب وعملوا بقوة على نشره في الهند والبلدان العربية والمستعمرات الإسلامية. ثم انتقلت المشكلة إلى تركيا وإيران، حيث كان الجنود ينزعون الحجاب من رؤوس النساء ويمزقونه، وسرعان ما تحول الموضوع إلى يد الحركات النسائية التي تبنت المبادئ الأساسية التي وضعها قاسم أمين في كتابه، وعندما عقد مؤتمر للاتحاد النسائي العربي عام 1944، أرسلت زوجة الرئيس الأميركي روزفلت، برقية تأييد للمؤتمر. إن ما يجب أن نعرفه، هو أن الحملة ضد الحجاب هي في الأساس حملة ضد أحد رموز الإسلام، وهي تهدف إلى إخراج المرأة المسلمة من حشمتها وسلوكها الديني، كي تصبح ظِلاً للمرأة الغربية، وأداة للاستثمار والدعاية والإغراء في أيدي تجار الأفلام الرخيصة والمجلات الخليعة وصانعي الأزياء... ليفعلوا بها ما يشاءون، وكل ذلك تحت شعار "تحرير المرأة". وأولئك جميعاً يدركون أن حجاب المرأة هو واجب شرعي، وهو علامة للالتزام الديني وأخلاق الاحتشام التي تتحلى بها المرأة المسلمة. وهو في جوهره جملة من الآداب الإسلامية الرفيعة وضعتها الشريعة لتعزيز كرامة المرأة. لكن الأهم هو أن تكون المرأة شريكاً أساسياً في صنع الحضارة والتقدم والارتقاء بالأمة.