هناك نهجان متنافسان في السياسة الخارجية داخل الإدارة الأميركية, إحداهما يميل نحو الإحادية، والآخر نحو التعددية. فخلال الشهور التي سبقت غزو العراق الذي قادته أميركا، بدأ الرئيس بوش كمن يقوم بتجريب نهج من النهجين أولا، ثم ينتقل منه للنهج الآخر، كما فعل عندما ذهب في وقت من الأوقات للأمم المتحدة، ثم قام في النهاية بشن الحرب دون سند من المنظمة الدولية.
وفي أعقاب الحرب، وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة هي قائدة الاحتلال، عاد السجال بين دعاة الإحادية ودعاة التعددية في السياسة الخارجية الأميركية إلى الظهور مجددا. و قامت إدارة بوش بتشجيع الأمم المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، على المشاركة في جهود إعادة الإعمار في العراق، من غير أن تبدي استعدادا للتنازل لهم عن أي مسؤولية حقيقية من مسؤولياتها هناك. كما قامت بدعوة تركيا للمساعدة في توفير الأمن في العراق، قبل أن يعترض مجلس الحكم العراقي على هذه الخطة. من الجهة الأخرى، قامت دول الخليج العربية وعلى الأخص دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت، بتقديم مساعدات إنسانية للشعب العراقي دون أن يتم دعوتها للقيام بأدوار رئيسية سواء في التطوير السياسي، أو في تحقيق الأمن الداخلي والخارجي للعراق.
يعتقد البعض أن إدارة بوش، يجب أن تقوم ببذل المزيد من الجهد في طلب النصيحة من دول الخليج العربية، لأن هذه الدول هي أقرب جارات العراق، كما أنها تعرفه أفضل مما يعرفه صناع السياسة في واشنطن. فمن ضمن المشكلات الكبيرة التي تواجه العراق حاليا فيما يتعلق باختيار نظام سياسي جديد، تلك المتعلقة بكيفية التعاطي مع الخلافات العرقية والدينية الموجودة فيه، بطريقة تؤدي إلى إطلاق عملية سياسية وطنية، يمكن من خلالها لطوائفه المختلفة العمل معا بطريقة متناغمة وسلمية. فالحاصل على الأرض هو أن الأكراد لا يريدون الاحتفاظ بالحكم الذاتي الذي اعتادوا عليه فقط، وإنما يريدون أيضا توسيع منطقتهم بحيث تضم مدينة "كركوك" الغنية بالنفط. والشيعة من جانبهم عاقدين العزم على الحصول على نفوذ سياسي أكثر مما كان لهم في الماضي، أما السنة فهم مصممون على عدم السماح لأحد بتهميش دورهم.
الاحتمال الأرجح في هذا الصدد هو إقامة نوع من الفيدرالية، في محاولة لإرضاء الأطراف المتنافسة، وأن كانت الصورة التي سيبدو عليها مثل هذا النظام غير معروفة حتى الآن.
لذلك فإن دواعي الحكمة تقتضي من الإدارة الأميركية في العراق، أن تقوم، وهي تحاول وضع نظام فيدرالي جديد هناك، بطلب المشورة من قادة دولة الإمارات، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ زايد بشأن هذه المسألة. السبب الذي يدعو الإدارة الأميركية إلى ذلك هو أن دولة الإمارات العربية المتحدة، تعتبر الدولة الفيدرالية( الاتحادية) الوحيدة في المنطقة التي حقق نظامها نجاحا عظيما. علاوة على ذلك، فإن أي شخص لديه معرفة جيدة بدولة الإمارات، يعلم تماما أن قيادة الشيخ زايد الحكيمة، بمعاونة حكام الإمارات الأخرى، كانت نموذجا يحتذى في القدرة على تحقيق التطوير السلمي لنظام يقوم على احترام حقوق العناصر المكونة للاتحاد من جانب، وعلى تركيز الوظائف السيادية للدولة في يد الحكومة الاتحادية من جانب آخر. والنصيحة التي أقدمها في هذا السياق للسفير "بول بريمر" وزملائه هي أن يقوموا بإلقاء نظرة عن قرب على هذا النموذج الفيدرالي الناجح.
فمعظم الأميركيين، للأسف الشديد، لا يعرفون سوى القليل عن النظام السياسي الفيدرالي في دولة الإمارات العربية المتحدة. فنحن نجد أن الصحافيين الذين يقومون بكتابة مقالات الرأي والافتتاحيات في وسائل الإعلام الأميركية، لا يمتلكون فهما حقيقيا لديناميات السياسة الداخلية في الدول العربية، ورغم ذلك لا يتورعون عن الإدلاء بدلوهم في مسألة التطوير السياسي في العراق، أو في غيره.
غير أن هناك مقالا نادرا ظهر في صحيفة " الواشنطن بوست" بتاريخ الثالث عشر من شهر يناير الجاري، تحت عنوان " رياح التغيير في الخليج" تركز بالكامل على الحديث عن دولة الإمارات، ووصف بعض التطورات الشديدة الإيجابية التي حدثت في اقتصاد تلك الدولة، وفي نظامها التعليمي. المقال بقلم " ديفيد إيجناتيوس"، وهو صحفي محترم، يكتب عامودا ثابتا في صحيفة الواشنطن بوست، التي تعتبر الصحيفة ذات النفوذ الأكبر على صناع السياسة الأميركيين، مما يعني أن المقال المذكور قد زودهم بمعلومات مفيدة عن تلك الدولة. ملاحظة: مقابل سطر التاريخ في المقال وردت كلمة
" أبوظبي"، وهو ما يفيد أن "إيجناتيوس" كان في زيارة شخصية لدولة الإمارات.
وتلك الزيارة كانت لها فائدة تمثلت في المساعدة على توعية الأميركيين، مما يدعوني للقول بأنه يجب العمل على تشجيع القيام بالمزيد من تلك الزيارات بواسطة الصحفيين الأميركيين المتنفذين تحقيقا لمصلحة البلدين. ومع أن "إيجناتيوس" عرض في مقاله رؤى معمقة وجيدة حول بعض جوانب قصة النجاح الذي حققته دولة الإمارات، إلا أنه فشل في الحديث عن قصة الفيدرالية في الدولة، التي كان