أدت التجربة الناجحة التي أجرتها الصين مؤخراً على صاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية إلى إثارة عاصفة سياسية حيث لم تكن هناك أي دلائل مسبقة على أن الصين تنوي إجراء مثل تلك التجربة. وتلك التجربة الصاروخية دفعت البعض للتساؤل عما إذا كانت تمثل في جوهرها حركة استهلالية من جانب الصين تهدف لدفع الأميركيين إلى الجلوس معها للتباحث حول حظر الأسلحة الفضائية. وعلى رغم أهمية الحوار الدائر حول تلك التجربة، فإن هناك خوفاً من أن يؤدي إلى التغطية على الرسالة الحقيقية التي توصلها تلك التجربة والتي يجب على العالم أن يهتم بها وهي: أنه على رغم كل ما تقوله الصين عن التوجه السلمي لمحاولتها الدائبة للصعود إلى مدارج القوة العالمية فإن الحقيقة هي أن هذا الصعود ستكون له سلبيات تنعكس على باقي العالم. وكان الدبلوماسيون الصينيون قد طافوا العالم من أقصاه إلى أقصاه مبشرين بالتوجه السلمي لصعود بلادهم، وأن الصين ستقوم بذلك بصورة مختلفة عن الطريقة التي قامت من خلالها الولايات المتحدة أو القوى الأوروبية به في الماضي، لأنها لن تلوث البيئة ولن تستعمر البلدان كي تسيطر على مواردها الطبيعية وتستغلها لمصلحتها. على رغم ذلك الخطاب، فإن الحقيقة الواضحة هي أن الصين بصعودها الاقتصادي السريع غدت تلعب بالفعل دوراً مقلقلاً ذا تأثير سلبي على العالم. فالصين هي ثاني أكبر ملوث بيئي في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية حيث تؤدي سياساتها وأنشطتها الاقتصادية إلى تلويث المناخ وتآكل طبقة الأوزون وتلويث مياه البحار والمحيطات علاوة على أن سياساتها تشكل ضغطاً اقتصادياً على العديد من الدول من جنوب أفريقيا إلى تايلاند إلى المكسيك، كما أن ضعف بنيتها الصحية يجعها من أوائل الدول المعرضة لانتشار الأوبئة، كما أنها دولة تفرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام فيها. وعلى رغم أن بعض تلك الظواهر والآثار تعتبر من التداعيات غير المقصودة لتقدم الصين الاقتصادي، فإن بعضها الآخر ليس كذلك. فعلى رغم أن الصين تدعي أنها لا تخلط بين التجارة وبين السياسة، فإن الحقيقة غير ذلك فهي تقوم بخلط الاثنتين مما يساهم في تفاقم العنف في الكثير من جهات العالم. فالصين هي الدولة التي تقدم المساعدات المالية لأنظمة مثل تلك التي تحكم السودان وكوريا الشمالية وزيمبابوي وبورما، لتحقيق أغراض اقتصادية معينة، ولا يمكن لأي أحد أن يقول إن ذلك التوجه من جانب الصين يساعد على تعزيز السلام العالمي كما تدعي. غير أن التجربة الصاروخية الأخيرة تمثل أكبر تحدٍّ من جانب الصين في سياق صعودها إلى مدارج القوة العالمية. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن عدم الشفافية، وعدم سيادة مبدأ حكم القانون، والرقابة على الإعلام، كل ذلك يحول دون معرفة الكثير مما يجري في الصين خصوصاً وأن دبلوماسييها يحجمون في الكثير من الأحيان عن الحديث عن الكثير من المشكلات التي تهم العالم مما يجعل تلك الدول تنظر إلى الصين على أنها لا تبالي بالتعاون مع العالم، ولا تهتم بما يحدث له. وإذا ما كان الصعود الصيني سيكون مترافقاً بتحدٍّ مثل تحدي الصواريخ، فإن الولايات المتحدة يجب أن تعمل من أجل مواجهة ذلك، ويجب أن تتولى زمام القيادة، وتقوم بالسعي لإدانة الصين في المنظمة الدولية بسبب عدم احترامها للقواعد والقوانين الدولية في العديد من الموضوعات مثل أمن الطاقة والتغير المناخي وحقوق الإنسان، ومبادئ المحاسبة والشفافية والأسلحة الفضائية. إن هناك عملاً كبيراً ينتظر أميركا في هذا المجال، ويجب على الحكومة الفيدرالية والقطاع الخاص في أميركا العمل من أجل اتخاذ الإجراءات الكفيلة بدفع الصين للعودة إلى الطريق الصحيح. وختاماً، أقول إنه إذا ما كان هناك جانب إيجابي للتجربة الصينية للصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية، فإن هذا الجانب يتمثل في أن الكلام عن الصعود السلمي للصين لمدارج القوة لم يعد مقنعاً، ويجب أن يتوقف، وأن يكون هناك بدلاً من ذلك إدراك صحيح لطبيعة الصعود الصيني وللحاجة الماسة لقيادة أميركية حقيقية لضمان التزام الصين بالقواعد والقوانين المعمول بها عالمياً. إليزابيث إيكونومي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مديرة الدراسات الآسيوية بـ"مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"