عاد مؤخرا إلى الساحة السياسية في موريتانيا، الرئيس السابق محمد خونا ولد هيدالة الذي حكمها بواسطة نظام حكم عسكري خلال النصف الأول من الثمانينيات· ولفت الانتباه إليه بقوة برنامجه الانتخابي الذي يعد بإصلاحات سياسية، منها تقليص مدة الولاية الرئاسية وعدم السماح بتجديدها أكثر من مرة واحدة، إضافة إلى الحد من سلطات رئيس الجمهورية لصالح الوزير الأول الذي سيكون مسؤولا أمام البرلمان، حسب ما جاء في إعلان ترشح ولد هيدالة· وإثر ذلك لوحظ أن التأييد لولد هيدالة بدأ يتزايد على نحو واضح؛ فانضم إليه عدد من تيارات المعارضة ومجموعة من مسؤولي الحزب الجمهوري الحاكم وقواعده الانتخابية، وأعلنت كتل شعبية كبرى مساندتها لترشحه·
والحقيقة أن ولد هيدالة الذي اقترنت تجربته في الحكم بممارسات تعسفية شنيعة، يبدو اليوم كما لو أنه يمثل خيارا مقبولا لأوساط شعبية وسياسية واسعة في البلاد·
فما هي دلالة الشوق العام إلى الديكتاتورية في نظام تعددي فعلا؟ لعل الحقيقة الأساسية في كل ما يحدث حاليا هي كونه لا ينفصل عن حصيلة الأوضاع التي آلت إليها التجربة التعددية في البلاد، والتي ارتبطت بكثير من الانحرافات والتجاوزات التي حولت المسار الديمقراطي في موريتانيا إلى نظام ذي سمات شمولية بارزة· فقد تم تقويض الأحزاب السياسية، وجرى بدلا منها إحياء التكوينات القبلية، وتحول الحزب الحاكم إلى أداة للدعاية والمراقبة· وسيطرت على موارد القوة وكل المراكز المهمة وغير المهمة، مجموعات من المؤيدين والأقرباء·
فضاعت هيبة الدولة، وبدا كما لو أن وظيفتها الأساسية أصبحت هي الدجل والتزوير والتضليل··· علنا·
والواقع أنه على خلفية الاخفاقات المتراكمة خلال عشرين عاما، يمكننا إعطاء تفسير لذلك التحول الذي عرفته الخريطة السياسية الموريتانية مؤخرا· لكن الخوف كل الخوف هو من أن يقع ولد هيدالة هو أيضا في ذات الأخطاء التي ارتكبها غيره.
أحمد ولد الناجي - أسبانيا