في منتصف الأسبوع الماضي، نشر علماء جامعة "هارفارد" بالولايات المتحدة نتائج دراسة عن تأثير تناول جرعات يومية من الأسبرين على صحة المرأة، وخصوصاً في ما يتعلق باحتمالات الإصابة بالذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، وسرطان القولون. وخلصت الدراسة إلى ثلاث فوائد أساسية من تناول الأسبرين بشكل يومي؛ الأولى هي خفض نسبة الوفيات بوجه عام بنسبة 25%؛ والثانية هي خفض الوفيات الناتجة من جراء الإصابة بأمراض شرايين القلب وشرايين المخ بنسبة 38%؛ والثالثة هي خفض الوفيات الناتجة من الإصابة بسرطان القولون بنسبة 28%. هذا التأثير للأسبرين على شرايين القلب ظهرت نتائجه بعد خمس سنوات من الاستخدام اليومي المنتظم، بينما ظهرت آثاره على احتمالات الإصابة بالسرطان، بعد عشر سنوات من الاستخدام اليومي المنتظم. ونتجت هذه الفوائد عن تناول جرعات يومية صغيرة (81 مليجراماً)، أو من تناول جرعات يومية متوسطة (325 مليجراماً). ولكن على عكس الجرعات الصغيرة والمتوسطة، لم يؤد تناول قرصين يومياً من الأقراص العادية من الأسبرين إلى تحقيق أية فوائد صحية للنساء، بل على العكس أدى إلى زيادة احتمالات الوفيات الناتجة عن نزيف شرايين المخ بينهن بمقدار 43%. وخلص العلماء إلى هذه الحقائق، من تحليل نتائج واحدة من أكبر وأطول الدراسات في التاريخ الطبي، والمعروفة بـ"دراسة صحة الممرضات" (Nurses Health Study). هذه الدراسة بدأت عام 1976، وشملت ما بين 80- 120 ألف امرأة، يعملن جميعهن كممرضات. وخلال أكثر من ثلاثة عقود، عكف الأطباء، وعلماء الإحصاء الطبي، وأخصائيو الصحة العامة، على دراسة تأثير الغذاء، وتناول الفيتامينات، وتعاطي الأسبرين، على احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب والمخ، والإصابة بالسرطان. وخلال تلك الفترة، استنتج الأطباء والعلماء الكثير من المعلومات عن صحة المرأة، وخصوصاً تأثير عوامل الخطر المختلفة على احتمالات الإصابة بالسرطان وبأمراض شرايين القلب والمخ، وفعالية الإجراءات الوقائية المختلفة في الحماية من تلك الأمراض. آخر تلك المعلومات والنتائج، هي تلك التي نشرت الأسبوع الماضي عن تأثير التعاطي اليومي للأسبرين على صحة النساء، ضمن عدد شهر مارس من الدورية الطبية المرموقة (Archives of Internal Medicine) . وفور نشر هذه الدراسة، ثارت زوبعة من الجدل والنقاش العلمي حامي الوطيس، حول مصداقية وصلاحية هذه النتائج، وخصوصاً تعارضها مع نتائج دراسات سابقة، خلص معظمها إلى نتائج معاكسة. فالمعروف أن تناول الرجال أو الذكور لجرعات يومية صغيرة أو متوسطة من الأسبرين، يؤدي إلى خفض احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب والمخ، وبعض أنواع الأمراض السرطانية. ولذا، إذا ما وضعنا قائمة بأكثر الإجراءات الطبية الوقائية فعالية، فسيحتل رأس هذه القائمة، تناول جرعة يومية بسيطة من الأسبرين. وهي الحقيقة التي دفعت باللجنة الوطنية للخدمات الطبية الوقائية في الولايات المتحدة (US Preventive Services Task Force) إلى توصية جميع الأطباء، بمناقشة فكرة تناول جرعة يومية من الأسبرين، مع مرضاهم المعرضين لاحتمالات مرتفعة من الإصابة بأمراض شرايين القلب والمخ. ولكن هذه الفوائد والنتائج، تقتصر إلى حد كبير على الذكور فقط، ففي العام الماضي، خرج العلماء بنتائج من دراسة هائلة أجريت على 40 ألف امرأة بداية من عام 1992، وعرفت بـ"دراسة صحة النساء" (Women's Health Study)، مفادها أن تناول النساء لجرعات يومية من الأسبرين لن يؤدي إلى خفض احتمالات إصابتهن بالسرطان أو بأمراض الشرايين. هذه النتيجة تلقى حالياً قبولاً أكثر في الأوساط العلمية، مقارنة بنتيجة دراسة صحة الممرضات التي صدرت الأسبوع الماضي. ويعود السبب في ذلك إلى اختلاف المنهج التحليلي وأسلوب اختيار المشاركات في الدراستين. فـ"دراسة صحة الممرضات"، كانت في إطار الملاحظة فقط (observational)، أي أن الأطباء لم يتدخلوا في اختيار المشاركات، أو في قراراتهم الصحية، واكتفوا فقط بتدوين التغيرات. أما "دراسة صحة النساء"، فكانت من النوع المقارن (comparative)، بما يتضمن ذلك من اختيار للمشاركات، والمقارنة بين تأثيرات تناول الأسبرين من عدمه، مثلها في ذلك مثل معظم الدراسات الطبية، وهو ما يجعل نتائجها أكثر مصداقية وواقعية من الدراسات الملاحظية. وهو ما دفع بالدورية الطبية التي نشرت بها نتائج هذا الأسبوع، إلى إرفاق مقال من المحرر، يؤكد فيه أن نتائج "دراسة صحة الممرضات" لا يمكنها أن تتغلب على أو تنفي النتائج المتراكمة من دراسات عديدة، تؤكد جميعها أن الأسبرين ليس ذا فعالية تذكر، في الوقاية من الوفيات الناتجة عن أمراض الشرايين بين النساء. وتضيف الدكتورة "لوري موسكا"، مديرة واحد من أكبر مراكز الوقاية من الأمراض القلبية في الولايات المتحدة، قائلة: "إن دراسة صحة الممرضات شائنة وسيئة السمعة، بسبب التضليل الذي سببته لنا جميعاً في قضايا أخرى تتعلق بصحة المرأة، مثل العلاج الهرموني البديل ومضادات الأكسدة، بسبب طبيعتها كدراسة ملاحظية". والخلاصة هي أن تناول جرعات يومية صغيرة من الأسبرين، يحقق فوائد جمة للرجال، على صعيد الوقاية من بعض أنواع السرطان، ومن أمراض شرايين القلب والمخ، وإن كان يحمل معه خطر الإصابة بالقرحات المعدية، وبنزيف المعدة، ونزيف شرايين المخ. أما لدى النساء، فلا يوجد دليل قاطع على تكرار الفوائد السابقة من تناول جرعات يومية صغيرة من الأسبرين، وإن كانت المخاطر هي نفسها التي يتعرض لها الرجال.