عدم قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية يُحمل الولايات المتحدة دوراً في الضغط من أجل تغيير سياسات تل أبيب لضمان استقرار الشرق الأوسط، وأيضاً يلزم الاتحاد الأوروبي بتفعيل هذه المبادرة من منطلق المصالح المشتركة والمتعددة لدول الاتحاد في المنطقة. التحرك بأخذ هذه المبادرة إلى أروقة الأمم المتحدة، ربما لن يسفر عن نتائج إيجابية، وذلك على الرغم من أن هذه التحركات على مستوى الأمم المتحدة تحقق سبقاً دبلوماسياً وتقدم حججاً قانونية شرعية مهمة ضد معارضي السلام والاستقرار في المنطقة. ليس غريباً ما أبدته إسرائيل من اعتراض على المبادرة في مسألة وقضية الحدود "حدود 1967"، وعودة اللاجئين، رغم ما تضمنته الرسالة السياسية التي تصدرت الإعلام الإقليمي والعالمي والتي تقدر السعودية ومكانتها وتحركها العربي والدولي، وأيضاً ما عرضته من مشاركة واتصال بينها وبين الدول العربية المعتدلة للتفاوض على مسائل هي مضمون المبادرة ومنها الحدود وعودة اللاجئين، وذلك من منطلق أن المبادرة تؤكد تغيراً كبيراً لدى الدول العربية وخاصة الفاعلة سياسياً وعقائدياً واقتصادياً وتجارياً، وترجع هذا التغير بتغير طبيعة الصراع العربي- الإسرائيلي وبروز صراعات متعددة، تحتل أهمية وأولوية مختلفة في الشرق الأوسط. حقيقة الشرق الأوسط به حلقات صراعية متعددة ومختلفة، ناهيك عن تزايد حدتها وهبوطها وحتى خمولها ونشاطها بين الحين والآخر، غير أننا نستطيع الاستنتاج بالمنطق وتسلسل الأحداث والتطورات، بأن الصراع الأهم في الشرق الأوسط هو الصراع العربي- الإسرائيلي لاعتبارات عقائدية وأيديولوجية وجيبوليتيكية أيضاً، كما أن حلقات الصراع المتعددة في الشرق الأوسط مثل حالة العراق (بين الشيعة والسُّنة والأكراد) وإيران (عبر الطموح المذهبي في المنطقة لخلق نفوذ عقائدي سياسي) ووضع لبنان وسوريا و"حزب الله" والتيارات القومية والإسلامية، خاصة في ظل العولمة وخصوصية المجتمعات في الشرق الأوسط، كل هذه الحلقات تراقب وتتفاعل وتتطور بتطور وانعكاس الصراع الرئيسي عليها، وهو الصراع العربي- الإسرائيلي، لأنه بصورة أو بأخرى (عقائدي وأيديولوجي وسياسي وحتى تجاري) يؤثر على الإطار العام لهذه الحلقات، وأيضاً لا نجد تأثير العلاقة عكسياً أو طردياً بين الحلقات والصراع الرئيسي، فالعلاقات السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط تحكم في غالبها عقائدياً وأيديولوجياً أكثر من العلاقة البراجماتية. من الخطأ التسليم بفرضية مفادها أن تحول الصراع مع إسرائيل إلى سلام سيخفف ويحل تعقيدات حلقات الصراع المختلفة والمتعددة في الشرق الأوسط، وفي تلك الفرضية تجاهل لحقيقة الصراعات ومحفزاتها وقياسها، فهي عقائدية وأيديولوجية وثقافية تأخذ الصبغة الطبيعية لها من أطر سياسية واقتصادية، ومثال ذلك الوصول إلى السلام ربما لن يمنع صعود التيارات الإسلامية والقومية ذات الشعبية إلى السلطة في بلدان معينة، بل سيسهل الوصول بطرق وسياسات تنموية وإصلاحية متعددة. القومية الكردية وتطورها، وتطور الصراع المذهبي، واضمحلال القومية العربية، وخروج فاعلين غير دوليين وامتلاك المال لجماعات تخضع لعقائد وأيديولوجية معينة، وأيضاً اضمحلال دور الدولة في الشرق الأوسط بسبب الانفتاح والعقائد المتعددة، كل ذلك يحتم تطور حلقات الصراع الأخرى، ويدخل أطرافها في تصادم لأن كل طرف يسعى إلى تحقيق أهدافه. فرغم أن الصراع مع إسرائيل يؤثر على حلقات الصراع الأخرى في الشرق الأوسط، فإنه لا يلغيها بل يحفزها أو يحبطها أو يثبتها. أخيراً، إن الأغلال التي تمنع استقرار المنطقة هي أغلال عقائدية وأيديولوجية وثقافية نابعة من المكون الرئيسي لدول الشرق الأوسط، وهذه الأغلال تتصادم أيضاً مع الخارج من مسلمات المصالح والاتصالات المشتركة والمتعددة والمتبادلة. وفي المستقبل القريب سيتحول الصراع العربي- الإسرائيلي إلى حلقة من حلقات الصراع في الشرق الأوسط ،بسبب تعاظم أهمية حلقات الصراع الأخرى، وليس إلا تحول تسمية الصراع العربي- الإسرائيلي إلى فلسطيني- إسرائيلي في بعض الحقول السياسية والإعلامية سوى البداية. حميد المنصوري باحث سياسي في العلاقات الدولية