لشهور عدة بدت أعمال العنف التي كانت تحدث في دارفور وكأنها قد سقطت عن أولويات أجندة البيت الأبيض، الذي يبذل محاولات يائسة لإطفاء الحرائق المندلعة في العراق وسائر أنحاء الشرق الأوسط. بيد أن صوت الرئيس بوش ارتفع في البيت الأبيض الاثنين الماضي، عندما قدم له مساعدوه خطة لفرض عقوبات على الحكومة السودانية لم ترق له، فطالب مبعوثه الخاص لدارفور "أندرو ناتسيوس"، ومستشاره للأمن القومي "ستيفن هادلي" بنبرة غاضبة أن يأتيا بشيء أقوى. هذا ما قيل لي. والنتيجة كما تقول مصادر عدة، هي أن الولايات المتحدة وبريطانيا، قد تقومان في النهاية ببذل محاولة -تبدأ هذا الشهر- للدفع من أجل اتخاذ إجراءات جدية ضد الخرطوم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ولإحراج بعض الحكومات مثل الصين التي تعرقل اتخاذ إجراء جماعي ضد السودان. يذكر في هذا السياق أن بريطانيا ستتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي هذا الشهر بدلاً من جنوب أفريقيا، وهي دولة أخرى من الدول الرافضة لاتخاذ إجراء بشأن دارفور، وأن دور الولايات المتحدة سيحين في شهر مايو القادم. ويذكر كذلك أن مشاعر الولايات المتحدة وبريطانيا تجاه ما يحدث في دارفور تكاد تكون متطابقة. وبالنظر إلى ما آل إليه الأمر في الإقليم فإنهما قررتا التوقف عما كانتا تقومان به من تخفيف للهجة قرارات الأمم المتحدة بشأن دارفور حتى قبل أن يتم تقديمها، وستقومان هذه المرة -حسبما سمعت من أحد المسؤولين الأميركيين- بالمطالبة بما تريدانه فعلاً، ومنه على سبيل المثال لا الحصر فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على حكومة السودان. أما بالنسبة للصين التي تشتري النفط من السودان وتستثمر في الصناعة النفطية في ذلك البلد وتقوم خلال ذلك بحماية الحكومة السودانية من الضغط الدولي، فإن ذلك المسؤول -الذي طلب عدم ذكر اسمه- قد أخبرني بأنه ستكون هناك عقوبات دولية ضد الدول التي تعوق اتخاذ إجراء بواسطة مجلس الأمن الدولي ضد حكومة السودان. وفي نفس الوقت فإن الأمر المتوقع هو أن يوافق بوش على اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد الخرطوم من قبل حكومة الولايات المتحدة بمفردها -بمعزل عن الأمم المتحدة- وذلك بعد عيد الفصح القادم بمدة. ومن بين الخطوات التي قد يتم اتخاذها في هذا الصدد استهداف موجودات ثلاثة من القادة السودانيين، ومنع إجراء صفقات تجارية بالدولار مع العشرات من الشركات السودانية، بما في ذلك بعض الشركات العاملة في مجال النفط. وهنا قد يقفز سؤال إلى أذهان البعض: ما السبب الذي يدفع إلى اتخاذ إجراءات صارمة بشأن دارفور في الوقت الراهن تحديداً؟ يقال إن بوش قد فقد صبره مع الخرطوم التي رفضت قبول خطة الأمم المتحدة لنشر قوات أممية لحفظ السلام للمساعدة على حماية مئات الآلاف من اللاجئين المحشورين في المعسكرات. وقد اضطر الرئيس عمر البشير تحت ضغط الزعماء العرب في قمة الرياض التي عقدت الأسبوع الماضي، إلى التلميح بأنه سيعيد النظر في بعض أجزاء من خطة نشر قوات الأمم المتحدة، ولكن الأمر المرجح هو أن الخرطوم تحاول كسب الوقت. في نفس الوقت يحاول بوش وبلير تلمس مدى التأثير الذي يمكن أن تحدثه الحملة الدولية الداعية للقيام بجهد لحل مشكلة دارفور، والتي تراوحت ما بين النداءات التي وجهها بعض نجوم هوليوود والمثقفين الأوروبيين، إلى حملات لجمع الالتماسات ونشر الإعلانات في الصحف. ويلاحظ أن بوش وبلير قد تحدثا حول دارفور عدة مرات في الأسابيع الأخيرة. ففي القمة الأوروبية التي عقدت منذ أسبوع، أعلن بلير أن الموقف في دارفور قد أصبح "لا يحتمل" وأن تصرفات الحكومة السودانية "غير مقبولة". وقال بلير إن مسألة فرض منطقة حظر طيران فوق دارفور يجب أن يُعاد النظر فيها، وهي خطوة يمكن أن تجد تعبيراً عنها في القرار الجديد الذي سيصدر عن مجلس الأمن الدولي بشأن دارفور. والأمر الباعث على الاستغراب هو أن تصميم الرئيسين الأميركي والبريطاني قد ازداد صلابة في الوقت الذي بدأ توتر الموقف في دارفور يخف. فالهجمات التي كانت قوات الحكومة السودانية تشنها قد خفت خلال الشهور الأخيرة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تقارير منظمات الأمم المتحدة العاملة في الإقليم، والتي تفيد بأن تلك القوات لم تقم سوى بشن هجوم واحد منذ 8 فبراير ولم يترتب عليه وقوع خسائر. كذلك خفّت على ما يبدو الهجمات التي كانت تشنها المليشيات العربية التي يقال إنها مدعومة من قبل الحكومة ضد المدنيين. وتعتقد حكومة الولايات المتحدة والعديد من المحللين الغربيين أن العمليات العسكرية تراجعت -على الأقل في الوقت الراهن- وذلك بسبب الخسائر البشرية لكلا الطرفين. ومن الممكن أن تكون الخرطوم قد أدركت إمكانية اتخاذ مجموعة من العقوبات الدولية المنسقة ضدها وهو ما يهدد قطاعها النفطي المزدهر في الوقت الراهن، أو أنها قد أدركت احتمال تعرضها لتدخل عسكري يفرض منطقة لحظر الطيران فوق إقليم دارفور، مما جعلها تتصرف بطريقة تهدف إلى تجنب تلك المشكلات والمخاطر. فهي تدرك أنها معرضة للعقوبات وأن تلك العقوبات هي التي أجبرتها على التوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب الأهلية التي كانت مندلعة في الجنوب. ومن المقرر أن يسافر مبعوث خاص للأمم المتحدة إلى دارفور هذا الأسبوع لاختبار رغبة الحكومة ونواياها فيما يتعلق بقبول خطة الأمم المتحدة لإرسال قوات حفظ سلام إلى الإقليم. وإذا لم يتحقق اختراق في هذه المسألة، فإنه لن يكون أمامنا بعد ذلك سوى الانتظار كي نرى ما إذا كان بوش وبلير سيتمكنان من ترجمة غضبهما من تصرفات الحكومة السودانية بشأن دارفور إلى إجراءات على الأرض أم لا. جاكسون ديل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"