التظاهرة الثقافية في الإمارات، بكل تفاصيلها، والتي نشاهدها حالياً في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، هي أحد الحقائق التي يمكن أن يخرج بها كل من يراقب مجريات الأحداث في المنطقة، بانتقال مركز التأثير العربي، بمختلف أشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية، إلى دول مجلس التعاون الخليجي. نظرة الإعجاب المرافقة للتظاهرة الثقافية في الإمارات، تتزامن مع كثير من الإنجازات الاقتصادية والسياسية الخليجية؛ والتي هي مثار اعجاب لجميع المراقبين. وإذا كانت السعودية قد لعبت، قبل أسابيع معدودة، دوراً سياسياً أكدت من خلاله مدى النفوذ الذي تمتلكه وحجم التأثير في القضايا العربية، دون ما الاستعانة بدول عربية معروف عنها قدرتها على التأثير في تلك الملفات؛ كالملف الفلسطيني والملف اللبناني، فإن الإمارات ما فتئت تشهد طوال الأشهر الأخيرة فعاليات وأنشطة ثقافية متواصلة؛ بدءاً من معرض الشارقة للكتاب ومروراً بمهرجان دبي للسينما وصولاً اليوم إلى معرض أبوظبي الدولي للكتاب وجائزة الشيخ زايد للكتاب، هذا عوضاً عن النجاحات الاقتصادية والسياسية والإعلامية أيضاً. لا يمكن لأحد أن ينكر أو حتى يتجاهل، انتقال قيادة العالم العربي، سياسياً وثقافياً، إلى جانب القيادة الاقتصادية أصلاً، من دول عربية معروف عنها دورها التقليدي؛ فالدلائل والشواهد واضحة. بل إن هناك أسىً وألماً لدى الكثيرين من عزل "اللاعبين السياسيين الجدد" للدول القائدة عن القضايا العربية الرئيسية. فهذه الدول الصغيرة المساحة القليلة السكان، بدأت تحقق اختراقاً كبيراً في العديد من "المعاقل" والقلاع العربية، كانت شبه تقليدي شبه محتكرة على دول معينة، وهي تعمل الآن على تثبيت قواعدها بشكل أساسي وبطريقة سليمة تضمن لها استمرار النجاح. دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية وقطر، قلبت الصورة النمطية في المنطقة العربية ودخلت لاعباً رئيسياً فيها، بل إن نجاحاتها أرجعت بعض تلك الدول لتكون أقرب إلى دول هامشية. ويشير أصحاب هذا الرأي، إلى تركيز رؤساء دول كبرى زياراتهم على الدول الخليجية، كما حدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي دشن زيارته للمنطقة بالسعودية. ويدللون أيضاً على وجهة نظرهم بقدرة دولة الإمارات على استقطاب هذا الكم الهائل من المثقفين العرب وغيرهم وتخصيص جوائز ثقافية، بحجم جائزة "الشيخ زايد للكتاب". استطاعت دول الخليج أيضاً أن تحول ما كانت تعرف بـ"الدول القائدة" التقليدية، إلى الاكتفاء بـ"الفرجة" والمشاهدة وفي أفضل الأحيان الاستعانة بالخبرات الخليجية لإعادة ترتيب نفسها، وذلك في محاولة منها للعودة مرة ثانية، ربما تكون لديها القدرة بشكل جديد. عرفت دول مجلس التعاون، أصول اللعب في المجالات الحيوية وبل في أحيان كثيرة أتقنتها، وهي تستعملها الآن بشكل دقيق في تحقيق المكاسب بعد أن رمت بثقلها الاقتصادي، وبتأهيل شعوبها تعليمياً وتقنياً، وبعلاقاتها الواسعة في العالم مع رؤية واضحة دفعتها لأن تغير الكثير من صورتها داخلياً في العالم العربي وخارجياً كذلك. واستطاعت أن تسحب البساط، بشكل ملفت ومفاجئ، من دول لها الحظوة حتى أصيب الكثير منها بالصدمة ولم يزل البعض الآخر لم يصدق ما يحصل. وامتلكت دول الخليج أدوات التعامل مع العالم الخارجي هذا بالإضافة إلى احتفاظها الشديد بعلاقات ود وصداقة قويتين مع دول العالم كافة. لا يخفى على أحد أن أساليب وأدوات التأثير تغيرت ولم تعد المساحة الجغرافية والكثافة السكانية أداتي التأثير في سياسات الدول الأخرى، لذا لن يكون مستغرباً أن ينتقل الثقل العربي إلى دول الخليج فهي استطاعت أن تبني لها مستقبلاً حقيقياً. وليس من قبيل المبالغة أن الأوضاع الجديدة أعادت اكتشاف وجوه سياسية وثقافية عربية جديدة وأنبتت أفكاراً تستطيع التعامل مع الجديد في الساحة بعد أن ضخت دماءً شابة اكتسبت المزيد من التحديث والتطور، وهذا ربما يفسر حجم النجاح الذي تحققه هذه الدول على حساب الدول التقليدية ويؤدي بالضرورة إلى تحسين التعامل فيما بين العرب من جانب وبين العرب والأجانب من جانب آخر. محمد خلفان الصوافي sowafi@hotmail.com