في ظل الطفرة الاقتصادية الراهنة، وحالة الأمن والاستقرار السياسي، يتوقع التقرير الأخير لوحدة المعلومات في "إيكونوميست إنتيليجنس يونت"، أن تحافظ دولة الإمارات على الترتيب رقم 29 بين دول العالم من حيث استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة حتى عام 2010، حيث يقدر متوسط حجم هذه الاستثمارات خلال هذه الفترة بنحو 6ر9 مليار دولار سنوياً، حيث تعدّ الإمارات بذلك المتلقي الرئيسي للاستثمارات الخارجية المباشرة في المنطقة. فقياساً بمتوسط نصيب الفرد من الاستثمارات الأجنبية، تحتل الإمارات المرتبة الثامنة عالمياً، أما كنسبة مئوية من حجم الناتج المحلي الإجمالي، فتحتل الدولة الترتيب العاشر عالمياً. وللوهلة الأولى، ينبهر القارئ بهذه المكانة المتقدمة التي تحتلها دولة الإمارات في خريطة الاستثمارات الأجنبية العالمية المباشرة، إلا أن قراءة الأمور في سياقها التاريخي، يبدل جانباً كبيراً من هذه النظرة. فالإمارات استحقت المركز السابع عالمياً على خريطة الاستثمار المباشر في عام 2005 عندما استقطبت استثمارات بلغت 5ر14 مليار دولار، بينما ظلت تحافظ على الترتيب رقم 24 في سلّم المناخ الاستثماري العالمي طيلة خمس سنوات متتالية. وعلى الرغم من تعدد وتنوع العوامل التي أسهمت بطريقة أو بأخرى في تراجع التوقعات الخاصة بنمو التدفقات الاستثمارية الوافدة إلى دولة الإمارات، خلال السنوات القليلة المقبلة، فقد تحدث التقرير عن عاملين أساسيين: الأول يتمثل في زيادة الضغوطات على خدمات البنية التحتية، بسبب النمو الاقتصادي السريع، الأمر الذي من شأنه أن يشكّل عقبة كبيرة في طريق الاستثمارات الخارجية المباشرة. فرغم أن دولة الإمارات تأتي في مقدمة دول المنطقة من حيث مستوى البنية التحتية، فإن التطور الاقتصادي المتسارع الذي تشهده الدولة حالياً، يجب أن يتم في إطار توسع مماثل في مشروعات البنية التحتية اللازمة لخدمة هذا التطور وتجنب حدوث أزمات قد تعيق حركة النمو الاقتصادي مستقبلاً، حيث شهدت الدولة في السنوات الأخيرة توسعات هائلة في المشروعات التي تتطلب خدمتها تطوراً مماثلاً في البنية التحتية، من مرافق عامة وطرق وجسور ومطارات وموانئ وخدمات الكهرباء والماء وغيرها، لتواكب هذا الزخم التنموي الذي تشهده الدولة في مختلف الصعد. أما العامل الآخر الذي يسهم بدوره في تراجع التدفقات الاستثمارية الوافدة إلى دولة الإمارات، بحسب التقرير، فيتمثل في سياسة التوطين التي تفرض بدورها أعباء على الشركات، مع قيام الدولة بفرض حصص محددة للمواطنين من وظائف الشركات العاملة فيها. فالشواهد جميعها تؤكد أن تهرّب شركات القطاع الخاص من الالتزام بنسب التوطين المقررة، رغم ضآلتها، رغبة منها في توظيف عمالة أجنبية رخيصة، كما أصبح أمراً شائعاً بالنسبة إلى العديد من منشآت هذا القطاع، خاصة المصارف، إعادة هيكلة أقسام بكاملها، وإسنادها إلى شركات مسجلة في المناطق الحرة، حيث لا يوجد نظام لحصص التوطين. وهذا الأمر له سلبياته الخطيرة، ليس فقط على سياسة التوطين أو قدرة الدولة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، ولكن أبعد من ذلك فهو يؤثر سلباً في مستويات الإنتاجية الاقتصادية، رغم أن هذا الأثر قد لا يبدو واضحاً اليوم بسبب الازدهار الاقتصادي الذي تمر به حالياً القطاعات المختلفة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.