لعله من الصعب على المرء أن يذرف الدمع على حال شركات نفط عملاقة، فالشركات الخمس النفطية العالمية الكبرى، وبعد أن كانت قد حصدت أرباحاً قياسية وصلت إلى 119.5 مليار من الدولارات العام الماضي، بدأت تفقد الآن وبشكل متزايد أرضيتها، مخلية الطريق لمجموعة صاعدة من شركات النفط التي تديرها الحكومات الوطنية. وهذا الاتجاه الذي كان قد اختفى لفترة قبل أن يعود للظهور مجدداً، يمكن أن يلحق الضرر بكبار الدول المستهلكة للنفط مثل الولايات المتحدة وغيرها- كما يقول بعض الخبراء. والخطر هنا يكمن في حقيقة أن الشركات التي تقوم بإدارة شركات النفط سوف تبذر ثرواتها على البرامج الاجتماعية، وغيرها من الأولويات، مما يؤدي إلى التأثير على كفاءة أدائها، وعلى حجم الاستثمارات التي يمكن ضخها في مجال حقول النفط. تعلق "آمي مييارز جاف" خبيرة الطاقة في "معهد بيكر للسياسة العامة" في هوستون التابع لـ"جامعة رايس" قائلة:" يمكن أن نواجه بعض المشكلات على الطريق نظراً لعدم كفاية الاستثمارات" وكان من رأي تلك الخبيرة أيضاً" أن الدول المستهلكة الغنية يمكن أن تواجه احتمال حدوث انخفاض في إنتاج النفط في السنوات القادمة"، كما ألمحت في سياق تعليقها أيضاً إلى المشاكل التي يمكن أن تترتب على حقيقة أن الدول المنتجة للنفط لديها احتياطات ضخمة، غير أن قطاع الطاقة بها غالباً ما يكون مشكوكاً في فعاليته. وتشير العديد من التنبؤات إلى أن إنتاج النفط سوف يستمر في الزيادة قدماً بقدمٍ مع استمرار الزيادة في الطلب خلال السنوات القادمة.. وإن كان الخبراء يحذرون هنا من أن مثل هذه التنبؤات- مع وجود الشركات النفطية الجديدة الصاعدة، والمنظمات غير الحكومية- يمكن أن تحتوي على "هامش كبير للخطأ". علينا أن نفكر فيما يلي: - إيران التي تعتبر الآن من بين كبار مصدري النفط الخام، يمكن أن تصبح دولة مستوردة لهذه المادة خلال العقد القادم. وترجع الأسباب إلى ارتفاع الطلب بسبب الإعانات الحكومية الضخمة للبنزين والإنتاج، الذي ينمو ببطء- إلى جانب أسباب أخرى بالطبع. -أن فنزويلا تتحرك تجاه فرض المزيد من السيطرة على صناعتها النفطية، حيث يقول الرئيس "هوجو شافيز" إنه يريد اقتسام ثروة النفط مع مواطني البلد، وهم في غالبيتهم من الفقراء. ولكن يجب أن نعرف أنه كلما أنفق "شافيز" المزيد من عائدات النفط على المشروعات الاجتماعية في بلاده، كلما قلت الأموال المتبقية التي يمكن توجيهها للاستثمارات. ففي العام الماضي وبينما كانت البيانات المالية لشركة (إيكسون موبيل) تشير إلى تحقيق أرباح قياسية كانت شركة "بي.دي.في.إس.آيه" الفنزويلية تحقق انخفاضاً في الأرباح بنسبة 26 في المئة حسب مصادر الشركة. وفي روسيا أثارت حكومة "فلاديمير بوتين" جدلاً حول نمطها الخاص من سياسات إدارة المصادر بناء على توجهات قومية بحتة، والتي أطلق عليها المحللون "قوموية الموارد". ويقول هؤلاء المحللون إن الحكومة الروسية قد ضغطت على شركة "رويال داتش شل" الهولندية في ديسمبر الماضي، لكي تتخلى عن سيطرتها على مشروع من المشروعات التي تقوم بتنفيذها على جزيرة "ساخلين" إلى شركة "جازبروم" الروسية. وكما هو الحال في فنزويلا، فإن مثل هذه الخطوات يمكن أن تؤدي إلى زعزعة ثقة شركات النفط الدولية في جدوى الدخول في شراكة مع روسيا. في تحليل جديد لدور شركات النفط الوطنية تستشهد "جاف" بأرقام مستقاة من وكالة الطاقة الدولية منها أن الدول النامية وخصوصاً الدول التي تسيطر على حقول النفط، سوف تورد ما نسبته 90 في المئة من إمدادات "الهيدروكربون" على مدى العقدين القادمين. ويعتبر هذا بمثابة تحول ضخم عن الاتجاهات التي كانت سائدة في السبعينيات حينما كانت الدول الصناعية الغربية قادرة على ضخ ما نسبته 40 في المئة من إمدادات الطاقة الجديدة في العالم، الغالبية العظمى منها من خلال شركات عامة. -هناك تحول كبير في السيطرة على الاحتياطات والإنتاج يتم في الوقت الراهن في أسواق النفط العالمية، وهو تحول يتم من شركات النفط الدولية إلى شركات النفط الوطنية. في هذا السياق أدلى "جون ديوتش" المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأقوال أمام جلسة استماع في الكونجرس كان منها: "إن شركات النفط الوطنية لها أهداف تجارية وسياسية في ذات الوقت، وأن هناك دولاً مثل إيران وروسيا وفنزويلا لا تخفي نواياها في استخدام المصادر النفطية من أجل تحقيق مصالحها السياسية". وهذا التيار يتراوح ارتفاعاً وانخفاضاً مع تقلبات أسعار النفط كما يقول بعض محللي الطاقة. فعندما تكون أسعار النفط مرتفعة، فإن الدول النامية الغنية بالموارد تحاول حصد أقصى مكاسب ممكنة من احتياطاتها النفطية وذلك من خلال منح دور أكبر لشركات النفط الوطنية ومنح دور أصغر لشركات النفط الأجنبية مثل "إكسون موبيل". ومن الطبيعي أن التهديد الذي تشكله شركات النفط الوطنية الصاعدة يعتمد على المنظور أو الزاوية التي تنظر منها الدول التي تستشعر هذا التهديد. ويذهب بعض خبراء النفط إلى أن إمدادات النفط العالمية لن تتمكن من التماشي مع الطلب المتنامي، وأن الأمر المحتمل جداً هو أن ينتاب القلق الدول المنتجة للنفط بشأن القلاقل الداخلية، التي يمكن أن تنشأ عن توسعها في الإنتاج دون تخصيص جزء كبير من العائد للإنفاق على الخدمات الاجتماعية. لذلك فإن الإنفاق المتزايد على الخدمات الاجتماعية- حتى من منظور المستهلكين الغربيين- يمكن أن يكون أمراً مستحباً، إذا ما كان سيساعد على تحقيق الاستقرار في أسواق النفط في نهاية المطاف. تعليقا على ذلك يذهب "آيه. إف. الحاجي" خبير النفط في جامعة "أوهايو" الشمالية في "آيدا" إلى أنه" إذا ما انتهى الحال إلى اندلاع حروب أهلية، فإننا قد لا نرى مثل هذه النتيجة، وأن شركات النفط الوطنية من هذا المنظور تساهم بشكل عام في جعل أسواق النفط أكثر قابلية للاعتماد عليها وليس أقل قابلية. بيد أنه يتعين القول في هذا السياق إن الكثير يعتمد على الطريقة التي تُدار بها شركات النفط الوطنية، والكيفية التي ستتمكن بها تلك الشركات من الدخول في شراكة مع غيرها من شركات خدمات النفط. ويمكن لشركات النفط التي تديرها الدولة أن تعمل بكفاءة كما تقول "جاف" وغيرها من الخبراء، مشيرين في هذا السياق إلى الشركات البرازيلية والنرويجية كنماذج على هذا النجاح. مارك ترامبول ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"