يعتبر عام 2007 البداية الحقيقية للانطلاقة الثقافية الجديدة في أبوظبي.. وآخر حدث ثقافي كان ليلة الاثنين- الثلاثاء الماضية وكانت واحدة من ليالي أبوظبي الرائعة تم فيها توزيع جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الأولى، حيث سلم الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للفائزين جوائزهم، هذا الرجل الذي نكتشف يوماً بعد يوم أنه يفكر ويخطط لأبعد مما نتصور جميعاً... وقبل هذه الجائزة بأيام- يوم الجمعة 31 مارس- تم افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته السابعة عشرة والذي سيستمر حتى السابع من ابريل الجاري بمشاركة أكثر من 400 دار نشر عربية وأجنبية وقد طرأت عليه تغييرات كثيرة ويبدو واضحاً انه بدأ في التحول إلى "معرض دولي" للكتاب... وقد نالت التغييرات التي شهدها المعرض هذا العام رضا الجمهور والناشرين– مع بعض التحفظات التي لا بد منها- وقبل ذلك بأيام شهدنا في الحديقة الغربية لقصر الإمارات "أوبرا عايدة" هذا العمل العالمي الرائع الذي يعرض في المنطقة لأول مرة وحضره أكثر من أربعة آلاف شخص... وقبل ذلك بأيام شهدنا نجاح البرنامج التلفزيوني "شاعر المليون" الذي كسب جماهيرية كبيرة على مستوى الوطن العربي... أما برنامج هيئة أبوظبي للثقافة والتراث فيحفل بعشرات الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية... ويستضيف هذه الأيام المئات من نخبة المثقفين العرب... كل ذلك يتم مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات وانتقادات البداية على كل إنجازات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي تمت خلال الفترة القصيرة الماضية، اعتقد أنها ملاحظات موضوعية ومقبولة ومشكور كل من تقدم بها وافترض أن رئيس الهيئة ومديرها العام والقائمين على الشأن الثقافي يتقبلونها بصدر رحب، فالبدايات دائماً ما تشمل بعض العثرات وبعض الأخطاء التي نتوقع أن يتم تداركها مع مرور الأيام. ولا نستطيع أن نتجاهل الفئة المستاءة من الوضع الثقافي الجديد في أبوظبي... لكن يجب أن نكون عادلين ومنصفين فالوضع الحالي ليس شرا كله... كما أن الوضع السابق لم يكن خيراً كله وإذا حدثت بعض الأخطاء اليوم فإن هناك أخطاء في الماضي أيضاً لا يجب تغافلها... أما اليوم ومع إنشاء هيئة الثقافة والتراث– التي بدأت أعمالها منذ عام تقريباً وحققت إنجازات كبيرة- فمن الواضح أن هناك رؤية مختلفة للثقافة وأهدافا جديدة لذا نلاحظ أن البعض لا يستطيع أن يستوعبها أو أنه لا يريد تقبلها ويصر على الشكل القديم... هؤلاء يجب أن يتفاعلوا مع الجديد ويتقبلوا فكرة تغير الزمان وتطور الأمور فهذا هو الواقع وهو الحاضر الذي يجب أن نستفيد منه ونتفاعل معه. من يريد أن يشاهد جزءا من الصورة التي تسعى إليها أبوظبي ما عليه إلا زيارة زاوية من بهو فندق قصر الإمارات بأبوظبي فقد تم هناك تخصيص جناح "المستقبل الثقافي لأبوظبي" لعرض التصاميم المجسّمة المرصودة للمتاحف التي ستجتمع في جزيرة السعديات، كمتحف الشيخ زايد الوطني، ومتحف اللوفر، ومتحف غوغنهايم، ومتحف الفنون الكلاسيكية، ودار المسرح والفنون، والمتحف البحري والحديقة البيينالية التي تتألف من 19 جناحاً عالمياً ستستضيف المناسبات الفنية والثقافية... إنها جزيرة نموذجية، يراد أن تختصر على أرضها متاحف العالم، ومجمّعات ثقافية، فنية وسياحية... ومنذ أسابيع تم توقيع اتفاقية ثقافية لمدة 30 عاماً تبلغ قيمتها الإجمالية 4.88 مليا درهم (مليار يورو) لتشييد متحف "اللوفر أبوظبي" كمتحف عالمي ضمن المنطقة الثقافية في "جزيرة السعديات" على أن يفتتح في العام 2012 ويعرض مجموعات نادرة من كافة العصور والاتجاهات الفنية إلى جانب أعمال معاصرة حسب منهج مبتكر في تنظيم المعروضات، مع التركيز على الأعمال الكلاسيكية... والغريب أن هناك من انتقد هذا المشروع الثقافي الرائد. والغريب أيضاً أنه عندما كانت حكومات دول الخليج تصرف المليارات على شراء الأسلحة والمعدات والطائرات الحربية كان البعض ينتقد هذا السلوك ويطالب بصرف تلك المبالغ على الثقافة والإبداع والعلوم واليوم عندما بدأت إمارة أبوظبي بتنفيذ مشاريع ثقافية كبرى ووقعت اتفاقية تاريخية مع متحف اللوفر الفرنسي أحد أهم المتاحف العالمية تستضيف بموجبها متحف "اللوفر أبوظبي" مجموعات فنية متكاملة ونادرة على شكل إعارة لمدة طويلة الأجل من "متحف اللوفر" ومتاحف فرنسية عريقة... وسيعتمد المتحف علي نظام مبتكر يكفل تقديم مجموعات فنية فريدة بصفة منتظمة من خلال تدوير المعروضات على صالات عرض متحف "اللوفر أبوظبي"، وذلك بالتزامن مع خطة الإمارة لبناء مجموعاتها الخاصة من الأعمال الفنية، كما سيتم تنظيم معارض مؤقتة سنوياً في "اللوفر أبوظبي"، وذلك ضمن برنامج التبادل العالمي بين المعارض الرائدة في العالم... بعد أن حصلت هذه الأمور وغيرها نجد البعض يستمر في انتقاده ويعتبر المليار يورو خسارة في اللوفر! رغم أن "المفاوض الإماراتي العتيد" نجح– بشهادة الفرنسيين- في فرض شروطه والفوز بالصفقة... فما سر استمرار تلك الانتقادات! من قال إن أبوظبي ليس فيها إلا النفط؟.. ومن قال بأن أبوظبي لن تستخدم مال النفط لتحويل أرضها إلى مكان يجتمع فيه الفن والثقافة والإبداع وتلتقي فيه الحضارات؟.. أبوظبي مدينة المال والنفط تستعد لأن تنتقل إلى مرحلة جديدة لا تكتفي فيها بأن تكون الرجل الثري الذي لا يملك إلا الدراهم في جيبه والمليارات في أرصدته... فأبوظبي اليوم هي ذاك الرجل الثري الذي يستفيد من أمواله في كل المجالات ولا يريد أن يبقى معتمداً على النفط فقط... ويؤكد أنه يحب الفن ويهتم بالثقافة والسياحة... خلال الأشهر القليلة الماضية أعلنت أبوظبي عن مجموعة من المشاريع الثقافية الرائدة وهي ما تزال تحمل في جعبتها الكثير من المفاجآت التي ستبهر المهتمين بالفن والثقافة والعلوم لتغير بذلك الخريطة الثقافية لمنطقة الخليج وربما للمنطقة العربية... لقد وضعت أبوظبي هدفاً واضحاً أمامها وهو أن تكون عاصمة عربية للثقافة والفنون... عاصمة على طريقتها الخاصة لن تشبه غيرها فيما تذهب إليه ولن يستطيع أحد أن يقلدها... لتؤكد عاصمة الإمارات مرة أخرى وفي مجال آخر أنها لا تشبه إلا نفسها. "ثقافة أبوظبي" مدروسة ومخطط لها وهي تقوم على المؤسسات وليس الأفراد فالتجارب أثبتت أن الثقافة التي تقوم على أفراد لا تدوم وأن دور الحكومات هو إيجاد مناخات ثقافية متنوعة وراقية تستوعب جميع المثقفين والفنانين والمبدعين... أما خلق المثقفين فيكون دور تلك المؤسسات وعلى الأفراد أنفسهم الذين يتفاعلون مع تلك الصروح الثقافية المتنوعة التي لا أشك أبداً في أنها ستوجد إنساناً إماراتياً جديداً. وتسعى أبوظبي من خلال انطلاقتها الثقافية الجديدة إلى فتح أبواب التعاون الدولي بين الإمارات ومختلف دول العالم وتقوية العلاقات التاريخية والثقافية بين حضارتنا العربية والحضارات الأخرى ومجتمعنا والمجتمعات الأخرى لتأكيد أننا نعيش في عالم واحد... والانفتاح على مختلف الحضارات في جميع المجالات الثقافية والفنية والتقنية والعلمية. ليس كثيراعلى الإمارات التي تضم كل جنسيات العالم وتستوعبها بمختلف حضاراتها وليس غريباً على أبوظبي التي عاشت دائماً على حب الشعوب الأخرى التي زرعها فيها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن تكون جسراً للتواصل الحضاري في العالم وبوابة لتبادل الحضارات على اختلافها وأن تساهم في تقديم ثروة ثقافية للعالم... ليس من منطلق تجاري أو مادي وإنما من منطلق حضاري عريق وإنساني عميق... وهذه الجرعة الثقافية ليست للسياحة فقط وإنما هي من أجل إثراء عقل المواطن الإماراتي والمقيم على أرض الدولة وكذلك من أجل التقارب بين شعوب العالم.