استمعوا إلى حواريي التجارة الحُرة، وستتعلمون أنه بمجرد أن يصل الخيار الاستهلاكي إلى الأنظمة السلطوية، فإن الديمقراطية ستتبع ذلك حتماً. يمكنكم أن تطلقوا على ذلك اسم "قاعدة الدولارات"، وهي القاعدة التي تقول ما عليكم سوى وضع كمية كافية من الدولارات حول شنغهاي، وستجدون بعدها أن سيطرة الحزب الشيوعي على السلطة، ستذوب مثل قطع هشة من البسكويت يتم غمسها في الحليب. الأمر على الطبيعة في الصين لا يبدو على هذا النحو. فعلى رغم أن شنغهاي تعوم في بحر من الدولارات، فإن ما حدث على رغم ذلك، وكما لاحظ "جيمس مان" في كتابه الجديد الموسوم بـ"الوهم الصيني" والذي يدور حول عدم التحول الصيني إلى الديمقراطية، هو أن النظام الصيني لم يذب كما يقول حواريو التجارة الحرة، بل إنه لا يزال متماسكاً، ويبدو أنه سيظل كذلك. ويقودنا هذا إلى سؤال. طالما أن الأمر كذلك، فما هو السبب الذي يجعل سلوك الشركات الأميركية الكبرى في الصين مقلقاً للحكومة الصينية وخصوصاً عندما دعت تلك الشركات الحكومة إلى إعادة النظر في مسودة قانون عمل يعد بزيادة حقوق العمال في الصين بقدر محدود، وهو قانون حاربته الشركات الأميركية بقوة خوفاً من تأثيره على استثماراتها الضخمة في الصين. فيما وراء الازدهار المتمثل في شنغهاي، التي تغرق في الدولارات نجد الصين الأخرى وهي صين الفلاحين والعمال التي تغرق في القلاقل والاضطرابات وليس في الدولارات، مما يدفع النظام بشكل روتيني إلى قمعها. ونظراً لأن النظام يدرك أن الإجراءات الأمنية والقمع لا يجديان نفعاً وحدهما، وأن الأمر يستلزم منه أن يقوم بشيء ما لمعالجة جذور الاضطرابات والقلاقل التي تنفجر في البلاد من وقت لآخر، فإن بعض قادته وافقوا على إجراء تعديلات محدودة على قانون العمل في البلاد. بيد أن المراقبين يقولون إن هذه التعديلات لن تسمح للعمال بتكوين اتحادات منفصلة، ولن تسمح لهم بحق التظاهر لأن البلد شيوعي في الأساس. وينص القانون الجديد على ضرورة توقيع عقود عمل فردية أو جماعية مكتوبة بين أصحاب الأعمال والعمال، كما يسمح للعمال بالانتقال من عمل إلى آخر في نفس المهنة التي يمارسونها، أو الحصول على وظائف في أنشطة لها علاقة بالصناعة التي يعملون فيها. كما ينص القانون الجديد كذلك على دخول ممثلي العمال في مفاوضات مع أصحاب الأعمال لتأمين المنافع الصحية ولتوفير ظروف الأمن والسلامة أثناء تأدية العمل. لا يجب أن نفهم من خلال ذلك أن اتحادات العمال ستفرض شروطها فرضاً على أصحاب الأعمال، لأن الواقع أن اتحادات العمال الصينية ليست باتحادات على الإطلاق حيث لا يزال الحزب الشيوعي يُحكم قبضته عليها، علاوة على أن رئاسة تلك الاتحادات غالباً ما تكون محجوزة لمديري المصانع سواء كان العمال يريدون ذلك أم لا يريدونه. وعلى رغم ذلك فإن مثل تلك التغييرات تعتبر مهمة بالنسبة للشركات الأميركية التي تستثمر أموالها في الصين، وهو ما يتبين من خلال استجابتها لإعلان مسودة القانون. فمنذ أن خرجت هذه المسودة للعلن انخرطت غرفة التجارة الأميركية في شنغهاي ومجلس الأعمال الصيني الأميركي في حملة رئيسية من أجل تطوير تلك الإصلاحات الواردة فيها والتي رأياها محدودة. ففي شهر إبريل من العام الماضي، وبعد أن بدأ الحديث عن تلك المسودة قامت الغرفة بإرسال تقرير مكون من 42 صفحة إلى الحكومة الصينية بالنيابة عن أعضائها البالغ عددهم 1300 عضو يشملون شركات مثل "جنرال إليكتريك"، و"مايكروسوفت"، و"ديل"، و"فورد"، وعشرات من الشركات والمؤسسات ذات الأسماء العالمية المشهورة، تعترض فيه على تلك الإصلاحات المحدودة التي تم إدخالها بالنسبة لحقوق العمال. واقترحت تلك الوثيقة أن يتم التفاوض بين الحكومة وبين ممثلي العمال بشأن الإصلاحات والتعديلات المختلفة للحصول على موافقتهم عليها قبل تضمينها في قوانين. وفي المسودة الثانية من القانون التي صدرت في ديسمبر الماضي بدا وكأن وجهة نظر المصالح الأميركية بشأن تلك المسألة كانت لها الغلبة حيث تم إجراء تعديلات على الكثير من المواد، التي كان ينظر إليها على أنها ضعيفة، ولا تفي بالمطلوب كما تم تقليص أدوار اتحادات العمال بشكل حاد. ولا تزال هناك بعض الموضوعات المقلقة القليلة مثل إنشاء نقابات عمال حقيقية وزيادة أجور العمال الصينيين -لما لانخفاض هذه الأجور من تأثير على أسعار المنتجات النهائية- ودعوة الحكومة الصينية لتحسين سجلها في ملف حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي. هارولد مايرسون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"