80% من الأستراليين سيحتاجون لنقل دم في وقت ما من حياتهم، في الوقت الذي لا تزيد فيه النسبة السنوية للمتبرعين عن 3% من الأستراليين. هذه هي الحقيقة التي يستخدمها الصليب الأحمر، لتشجيع حملات التبرع على الدم في أستراليا. وإذا ما كنت تعيش في الولايات المتحدة، فهناك احتمال بنسبة 97% ، أن تكون على معرفة شخصية بإنسان، تم نقل دم إليه، أو سيحتاج إلى نقل دم في المستقبل. وفي كندا، أظهرت الدراسات والإحصائيات، أن 52% من الكنديين، إما أنهم قد احتاجوا لنقل دم في يوم ما من أيام حياتهم، أو أنهم على معرفة شخصية بإنسان تم نقل دم بالفعل إليه. هذه الأرقام والنسب المئوية، تظهر مدى انتشار نقل الدم، كإجراء طبي مهم وضروري في الكثير من الأحيان لإنقاذ حياة إنسان فقد جزءاً كبيراً من دمائه. وتظهر هذه الأرقام أيضاً، مدى نقص ما هو متوفر من دم، مقابل الطلب الواسع والمتزايد. وهذا النقص يضاعفه، بشكل نسبي، اختلاف فصائل الدم بين بني البشر. ففي أوقات كثيرة، يتوفر دم، ولكنه من فصيلة غير مناسبة لما يحتاجه المريض، وهو ما يعرف بالنقص النسبي أو النوعي. فمنذ أكثر من مئة عام، أدرك الأطباء أن بني البشر تختلف دماؤهم عن بعضهم بعضاً، بغض النظر عن جنسهم وعرقهم وأصولهم، بحيث يمكن تقسيمهم إلى عدة أقسام، حسب ما يعرف بفصائل الدم. وحالياً تميز الجمعية الدولية لنقل الدم، أكثر من 26 نوعاً من الاختلافات، التي يمكن على أساسها تقسيم بني البشر إلى فصائل مختلفة. وإن كان أشهر التقسيمات، هي تلك المعروفة بنظام (ABO). وحسب هذا التقسيم، يمكن للإنسان أن يكون واحداً من أربع فصائل (AB – A – B – O). وبني هذا التقسيم على أساس أجسام مثيرة للمناعة (Antigens) تتواجد على سطح كريات الدم الحمراء، بالإضافة إلى أجسام مضادة (Antibodies) تتواجد في البلازما. ففي الشخص من فصيلة (A)، تتواجد على سطح كريات الدم الحمراء مثيرات للمناعة من نوع (A)، بينما تتواجد في البلازما أجسام مضادة لمثيرات المناعة من نوع (B) ، والعكس صحيح في الفصيلة (B). هذا الوضع يعني أن الشخص من الفصيلة (A) لا يمكن نقل دم إليه من فصيلة (B)، والعكس صحيح. أما الشخص من فصيلة (AB)، فيمكن نقل دم إليه من أي شخص، ولكن لا يمكن نقل دمه إلا لنفس الفصيلة. وفي حالة الفصيلة (O)، يمكن نقل دم هذا الشخص لأي فرد، ولكن لا يمكنه تلقي دم إلا من نفس الفصيلة. وهناك اختلاف آخر، يتم تقسيم فصائل الدم عليه، حسب نظام السالب والموجب. ولتبسيط الموضوع هنا، سنكتفي بأن الشخص الموجب الفصيلة يمكنه تلقي دماء من الفصيلتين السالبة والموجبة، ولكن في حالة الشخص سالب الفصيلة فلا يمكنه تلقي دم إلا من شخص سالب الفصيلة مثله. يتضح من السابق، مدى التعقيد الذي يواجه الأطباء يومياً في سعيهم للحصول على فصيلة مناسبة لمن يحتاجونها، حيث يشكل نقل فصيلة غير مطابقة، خطراً فادحاً على حياة المريض. هذا الموقف يسعى مجموعة من العلماء في جامعة "كوبنهاجن" إلى إيجاد حل سهل وبسيط له، حسب دراسة نشرت هذا الأسبوع في واحدة من الدوريات العلمية المتخصصة (Journal of Nature Biotechnology). حيث اكتشف العلماء نوعين من البكتيريا، يمكنهما إنتاج إنزيم قادر على تحليل الأجسام المثيرة للمناعة إلى سطح كريات الدم الحمراء. فهذه الأجسام في حقيقتها، هي نوع من السكريات، التي يمكن لإنزيمات البكتيريا تحليلها أو هضمهما. وحسب هذه الطريقة، يمكن تحويل فصائل الدم الثلاث (A, B, AB) إلى الفصيلة (O)، التي لا توجد على سطحها أية أجسام مثيرة للمناعة، وبالتالي يمكن نقلها لأي شخص. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أيضاً، أنه في الوقت الذي تعاني فيه معظم بنوك الدم من نقص بعض الفصائل، يتعرض جزء من مخزون تلك البنوك للفساد، بسبب انقضاء فترة صلاحيته قبل أن يحتاجه أحد. وهو ما يعني إمكان تحويل المخزون الفائض من بعض الفصائل إلى الفصيلة (O)، لسد العجز في فصائل أخرى. هذا الأسلوب، وإن كان بإمكانه تحويل الفصائل الثلاث إلى الفصيلة (O)، إلا أنه ليس باستطاعته تحويل السالب إلى الموجب، أو العكس. ومن شأن هذا الأسلوب، إذا ما نجح في الدراسات العملية السريرية، أن ينقذ حياة مئات الآلاف، وربما الملايين سنوياً، وخصوصاً في الدول الفقيرة. ففي هذه الدول بالذات، تكثر الحالات التي تحتاج إلى نقل دم، مثل حالات الأنيميا الحادة بين الأطفال الناتجة عن الإصابة بالملاريا، أو من المضاعفات الخطيرة الناتجة عن الولادات المتعسرة، وهما الحالتان اللتان تتسببان في وفاة أكثر من مليون امرأة وطفل سنوياً. فمن بين جميع الوفيات التي تحدث بين نساء الدول النامية بسبب النزيف الحاد أثناء الولادة، يمكن منع 25% منها، إذا ما توفر الدم اللازم لإنقاذ حياة الأم. وتظهر الإحصائيات أنه بمرور كل ثانية، يحتاج شخص لسبب أو آخر في مكان ما من العالم لنقل دم لإنقاذ حياته. ولذا في الوقت الذي استغرقته في قراءة هذا المقال، احتاج ستمائة شخص لنقل دم كملاذ أخير لإنقاذ حياتهم، وهو ما من شأن الأسلوب الجديد أن يجعله خياراً أكثر توفراً. د. أكمل عبد الحكيم