هناك بند يخصنا بدأ يحتل مكاناً مهماً على الأجندة الدولية، وستزداد أهميته في المستقبل، ذلك هو البند المتعلق بوجود المسلمين خارج الديار الإسلامية، إما بسبب العمل أو بسبب الهجرة والاستقرار في ربوع عدد لا بأس به من الدول الغربية: من فرنسا وهولندا إلى أستراليا وأميركا الشمالية. وبالطبع الاحتكاك المباشر واليومي بين أعداد كبيرة من الناس ينتمون إلى ثقافات جدّ مختلفة، بدأ يثير بعض الأسئلة وحتى الإشكاليات حول حقوق سكان الدولة المضيفة في مواجهة تزايد أعداد الوافدين. ليس صحيحاً بالمرة، أن هذه المشكلة ظهرت مع الهجوم الإرهابي على واشنطن ونيويورك في سبتمبر 2001. قد يكون ذلك الهجوم وتداعياته وراء تفاقم المشكلة، لكنه بالتأكيد لم يؤدِّ إلى ظهورها، فهي موجودة قبل الهجوم. كما أن هذا التوتر الثقافي والعنصري لا يقتصر على أميركا الشمالية، ولا زلنا بالطبع نتذكر الجدل الذي ظهر في فرنسا عقب قرار الحكومة الفرنسية بمنع الحجاب وغيره من الرموز الدينية في المدارس الثانوية، وكذلك الجدل الأكبر الذي أشعلته الرسوم الدانمركية المهينة. تداعى أمام عينيّ كثير من الأحداث والمناقشات بعد يومين فقط من وصولي إلى نيويورك ثم إلى مونتريال، وكانت المناسبة هي اتصال هاتفي من أحد كبار الفلاسفة في جامعة "ماكجيل" الكندية، تعرفت عليه أثناء تدريسه الفلسفة في جامعة "أوكسفورد". كان فحوى المكالمة هو كيفية التعامل الصحي والحضاري بين الجماعات المختلفة في مجتمع فسيفسائي أو متعدد الثقافات مثل مجتمع أميركا الشمالية الذي هو في مأزق الآن، بين فرض الاندماج القسري على المهاجرين وبين تركهم يمارسون حريتهم في الحفاظ على هويتهم الأصلية، وبالتالي مخاطر حدوث فوضى ثقافية بسبب وجود أفارقة وآسيويين وعرب... وغيرهم من العرقيات المختلفة. ورغم أن أستاذ الفلسفة أوضح أن الأمر لا يتعلق بوجود مسلمين فقط، فقد أفهمني أن المشكلة هي في الواقع أعقد بكثير، لأنها تتعلق أساساً بسكان البلد الأصليين -الكنديين أو الأميركيين- الذين يشعرون الآن بأنهم مهددون بأن يكونوا أقلية أو غرباء في بعض مدنهم الكبرى. وفي الحقيقة فإن بعض الكنديين مثلاً، يشعرون بأن بلدهم يجب أن يكون علمانياً، وأن الرموز الدينية الواضحة -مثل الحجاب- هي تهديد لهذه العلمانية، بل إن الأمر قد ازداد خطورة مع وجود بعض السيدات المسلمات اللاتي ذهبن للاشتراك في التصويت الانتخابي وهن يرتدين النقاب، وحدثت مشادة كبرى لأن الموظف المنوط به الحفاظ على قواعد عملية التصويت طالب سيدة بكشف وجهها للتحقق من شخصيتها. ومع أن هذه المشكلة تم احتواؤها بكشف السيدة المنقبة عن وجهها أمام موظفة، فإن النقاش احتدم في الإعلام عن قواعد المجتمع الليبرالي وأهمية الشفافية الكاملة فيه، أي كشف الوجه كقاعدة عامة. ومع استمرار النقاش مع هذا الزميل، اتضح لي أن المشكلة في الواقع غاية في التعقيد، ألا وهي كيفية حماية حقوق الجماعات الأصلية والجماعات المهاجرة أو الوافدة دون امتهان لأي منهما، مع المحافظة على الهوية الأصلية للمجتمع الكندي. وبسبب هذا التعقيد فقد قامت حكومة إحدى المقاطعات بتشكيل لجنة "التكيف المعقول" برئاسة ذلك الزميل. ومهمة اللجنة هي إيجاد المرونة اللازمة من جانب الجماعات المختلفة لكي تحافظ على هويتها وأصولها الثقافية، دون أن تهدد أو تجور على الهوية الأصلية لكندا. وأفهمني زميلي أن الحكومة أعطت هذه اللجنة مدة عام لكي تأتي ببعض الحلول وصياغة مبادئ عامة تسمح للمجتمع الكندي بالمحافظة على تنوعه، في إطار الانسجام بين عناصره المختلفة. لا أعتقد أن عاماً واحداً يكفي لدراسة جوانب هذه المشكلة وإيجاد حلول عملية لها، ألم أقل في بداية هذه المقالة إن إشكالية وجود المسلمين بأعداد كبيرة خارج دار الإسلام أصبح بنداً أساسياً في الأجندة الدولية الجديدة؟