فيما لو شاءت الولايات المتحدة الأميركية، فإن في وسعها إحداث خفض هائل في معدلات الفقر الحالي بين مواطنيها، وهي المعدلات التي ظلت على الدوام بمثابة نقطة ضعف خطيرة في النظام الاجتماعي الأميركي برمته. لكن بدلاً من ذلك، فقد ارتفع معدل فقرائها ممن يصنفون على أنهم من أصحاب الدخول التي تقل بنسبة 50 في المئة عن الحد الأدنى الرسمي للفقر، بدلاً من أن ينخفض هذا المعدل وينكمش. وعلى حد قول شيلدون دانزيجر، مدير المركز القومي لدراسات الفقر بجامعة ميتشجان، فإن مشكلة الفقر تتفاقم، ليس بسبب افتقار أميركا لسياسات مكافحة الفقر، وإنما نتيجة لضعف الإرادة السياسية الكفيلة بتوسيع تلك السياسات. وفي عام 1964، كان الرئيس الأسبق ليندون جونسون قد شن حرباً على الفقر، هدفت إلى رفع "الخمس المنسي" من الشعب الأميركي إلى نقطة أعلى من الحد الرسمي للفقر. وقد توقع مستشاروه الاقتصاديون إحراز فوز في تلك الحرب، بحلول عام 1980، وذلك عن طريق توزيع المكاسب الاقتصادية على أساس قومي خلال السنوات السابقة للتاريخ المذكور. غير أن تلك الحرب لم تحقق فوزاً البتة. والسبب هو أن طبيعة الاقتصاد نفسها قد تغيرت نتيجة لعدة عوامل، من بينها العولمة وموجات الهجرة الواسعة إلى أميركا، وضعف الاتحادات والجمعيات المهنية، إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي محسوباً بمعدل إنتاج الفرد. وبالنتيجة فقد اتسعت الهوة الاقتصادية، خاصة بين الفئات التي تعيش فقراً مدقعاً وتلك التي تعيش ثراءًً فاحشاً. وقد اعترف بهذه الحقيقة مؤخراً، كل من الرئيس بوش، ووزير خزانته هنري بولسون، ورئيس الاحتياطيات الفيدرالية المالية، "بن بيرنينك". وبالمعنى ذاته، لاحظ بيتر إيدلمان، رئيس مجموعة مكافحة الفقر، بمركز التقدم الأميركي، وهو منظمة للأبحاث التقدمية في واشنطن، أن القلق العام قد تعاظم إزاء التوسع الملحوظ في الهوة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء، ومن ثم إزاء الظلم الاقتصادي الاجتماعي المرتبط بها. هذا ومن المتوقع أن يصدر المركز تقريراً عن هذه الظاهرة، في وقت لاحق من شهر أبريل الجاري، يتضمن توصيات محددة بخفض معدلات الفقر في البلاد. واستطرد إيدلمان قائلاً: لقد أصبحنا ندرك الكثير اليوم عما يجب عمله في هذا الشأن، مقارنة بما كنا نعرفه بالأمس. وفي تقدير إيدلمان أن خفض معدلات الفقر في أميركا، لن يكون بتلك التكلفة الباهظة بأي حال من الأحوال. وفي الإمكان تغطية تلك التكلفة بوضع حد لسياسات خفض الرسوم الضريبية المفروضة على أغنى الفئات. ولكن السؤال هو: هل ستقدم واشنطن فعلياً على اتخاذ خطوات كهذه؟ فليس هناك للفقراء من يدافع عنهم ويمارس الضغوط على الساسة والمسؤولين، بما يكفي لحملهم على اتخاذ سياسات وقرارات تهدف لمكافحة الفقر. ذلك هو رأي نيل وولمان، أستاذ العلوم الاجتماعية بكلية مانشستر، بولاية إنديانا. هذا ويرى الكثير من المراقبين أنه وفيما لو تم انتخاب رئيس "ديمقراطي" جديد لأميركا، بينما حافظ "الديمقراطيون" على هيمنتهم الحالية على مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس، فإنه على الأرجح سيأخذ سياسات مكافحة الفقر هذه على محمل الجد، أكثر مما سيفعل الجمهوريون. ويستمد إيدلمان وغيره من المتفائلين بإمكانية تغيير الواقع الاجتماعي الاقتصادي الحالي في أميركا، توقعاته من تجربة النجاح الباهر الذي حققته حكومة حزب "العمال" البريطانية بقيادة توني بلير، في خفض معدلات الفقر بدرجة كبيرة هناك. ومن رأيهم أن الحكومة البريطانية لم تحقق ذلك النجاح، إلا بتبنيها أو توسيعها لعدة إجراءات وسياسات اتخذتها في إطار جهودها الرامية إلى مكافحة الفقر، مع ملاحظة أن بعض تلك الإجراءات، قد جرى تطويره في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى سبيل المثال، فقد انخفضت نسبة الأطفال البريطانيين الذين يعيشون حياة الفقر، لتصبح نسبتهم حوالى 11 في المئة من إجمالي الكثافة السكانية بحلول شهر مارس من عام 2005، مع العلم بأن هذه النسبة كانت حوالى 24 في المئة من إجمالي السكان البريطانيين في عام 1998. وفي المقابل وعلى عكس ذلك تماماً، فقد واصلت نسبة الأطفال الفقراء في أميركا، ارتفاعها طوال السنوات الماضية، حتى بلغت 17.8 في المئة في عام 2005. أما معدل الفقر العام في الولايات المتحدة، حسب معلومات "مكتب الإحصاءات الفيدرالي" الصادرة في شهر أغسطس من العام الماضي، فقد بلغت نسبتها 12.6 في المئة -أو ما يعادل 37 مليون نسمة- في عام 2005. وكانت قد شهدت ارتفاعاً سابقاً في عام 2000 حيث بلغت 11.3 في المئة، أعقبها انكماش طفيف لا يذكر بعد ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"