برز خلال الآونة الأخيرة لاعبان ثقيلا الوزن في ساحة عملية سلام الشرق الأوسط المتعثرة؛ أولهما العاهل السعودي الملك عبدالله ابن عبدالعزيز، وثانيهما "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة. وكما نعلم، فقد تمكن الملك عبدالله، خلال قمة الرياض، من الحصول مجدداً على تأييد القادة العرب لمبادرة السلام التي كان قد أطلقها للمرة الأولى عام 2002 بغية وضع حد سلمي للنزاع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتقوم هذه الخطة في جوهرها على مبدأ الاعتراف العربي الكامل بإسرائيل، مقابل انسحابها من كافة الأراضي التي احتلتها عام 1967. ولاشك أن تسوية هذا النزاع ستؤثر إيجاباً في خلق بيئة ملائمة للاستقرار في العالم العربي كله. وفي اعتقاد الكثيرين أيضاً أن تلك التسوية ستسهم في خفض الحملة الأميركية ضد الإرهاب والعداء لأميركا، أي العداء الذي يقوده ضدها المتطرفون متّهِمين إياها بالانحياز لإسرائيل في مواجهة الأمة العربية. وقد اكتسبت هذه المناورات الرامية إلى إعادة طرفي النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات مجدداً، طاقة دافعةً لها من المملكة العربية السعودية التي يغلب عليها المذهب السُّني. وقد راقبت العاصمة السعودية عن كثب، تنامي نفوذ طهران –التي يغلب عليها المذهب الشيعي- وطموحها لفرض هيمنتها الإقليمية على المنطقة، خلال الفترة نفسها. وبالطبع فإن مما يثير قلق الرياض، تدخلات طهران في الشؤون الداخلية لكل من العراق وسوريا، وكذلك دعمها للجماعات الإرهابية والمتطرفة التي بدأت توسيع نشاطها في المنطقة، إلى جانب القلق السعودي البالغ إزاء الأطماع النووية العسكرية الإيرانية. وعلى رغم علاقات الصداقة الوطيدة التي تربط ما بين واشنطن والرياض، إلا أن العاهل السعودي مضى إلى وصف الاحتلال الأميركي الحالي للعراق، باللاشرعية أثناء انعقاد قمة الرياض الأخيرة. وكان تفسير بعض المحللين والمراقبين لتهاون الاستجابة الأميركية حول ما ورد على لسان العاهل السعودي، هو أن ما قيل إنما هو موجه في الأساس إلى الجمهور العربي، بقصد كسب التأييد والمصداقية أمام العرب، مع توجيه لسعات ووخزات خفيفة من النقد لواشنطن، كجزء من ممارسة اللعبة السياسية الشرق أوسطية. وعلى أي حال، فإن كلاً من السعوديين والقادة العرب باتوا يعتقدون أن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي. وبينما رمى العاهل السعودي من انتقاداته تلك لواشنطن، إلى الحفاظ على مسافة ما بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية، فهو في المقابل يريد أن تمارس واشنطن ما يكفي من الضغط لإعادة تل أبيب إلى طاولة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني. هذا وقد وقع عبء هذه المسؤولية الآن على الجهد الدبلوماسي الذي تبذله وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس و"بان كي مون". وفي الجانب الأميركي، فقد بدت رحلات رايس المتتالية إلى المنطقة مؤخراً، بمثابة دفعة نشاط أميركي جديد، يهدف إلى المضي قدماً في عملية السلام الشرق أوسطية المتعثرة. غير أن الاستجابة الأولى من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، إزاء هذا النشاط الدبلوماسي، لم تكن إيجابية ولا مُبشرة بأي شكل من الأشكال. فهو يبدي اعتراضه بشكل خاص، على فقرة وردت في مبادرة العاهل السعودي، نصت على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم وديارهم الأصلية التي شرِّدوا منها، مع العلم بأن هذه الديار ليست شيئاً آخر سوى إسرائيل الحالية. ويبدي الكثير من الإسرائيليين مخاوف من أن تؤثر عودة الأعداد الكبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، على الهوية اليهودية لدولتهم العبرية. لكن في المقابل، فإن كثيرين منهم سئموا استمرار الحرب الماراثونية مع الفلسطينيين، ومن ثم فهم يبدون استعداداً اليوم للترحيب باتفاقية سلام، من شأنها وضع حد للنزاع، وتوفير الأمن والسلام لإسرائيل. ومهما يكن، فقد اعترف أولمرت بأن خطة العاهل السعودي، تتضمن "عناصر إيجابية" على حد قوله. وفي مؤتمر صحفي مشترك له مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عقد يوم الأحد الماضي، اقترح أولمرت على القادة العرب تنظيم اجتماع إقليمي للسلام، رأى أن يتم عقده قريباً في القدس. وعلى صعيد الأمم المتحدة، فقد برز أمينها العام الجديد، "بان كي مون"، كلاعب رئيسي في الساحة الشرق أوسطية. فقد وعد في العراق كلاً من المسؤولين الأميركيين والعراقيين، بعودة منظمته وهي أقوى مما كانت عليه لحظة انسحابها منه عام 2003، إثر الاستهداف الذي تعرضت له هناك. وعلى رغم أنه ليس وارداً نشر أي قوة حفظ سلام دولية محدودة هناك، إلا أن إسهام المنظمة الدولية في تحقيق قدر من الاستقرار في العراق، سيتجه جزء كبير منه إلى جهود إعادة الإعمار الجارية هناك. أما في قمة الرياض الأخيرة، فقد بشّر "بان كي مون" بمبادرة العاهل السعودي، ودعا الطرف الإسرائيلي إلى إلقاء نظرة جديدة عليها. وفي هامش القمة نفسها، أجرى الأمين العام، عدة لقاءات واجتماعات بشأن نشر قوة حفظ سلام مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في إقليم دارفور السوداني، إلى جانب عقده لاجتماعات شبيهة، هدفت إلى خفض حدة التوتر الحالي في الصومال. وبالقدر ذاته، دعا إلى الانقضاض على ممارسات تهريب الأسلحة سراً عبر الحدود اللبنانية- السورية إلى مليشيات "حزب الله". أما بشأن طهران، فقد حذر "بان كي مون" من مغبة التمادي في تطوير البرامج النووية، دون الأخذ بالهواجس الأمنية الإقليمية والدولية. وبعد، فربما لا يتحقق السلام قريباً، غير أن الدبلوماسية السلمية، تبدو أكثر نشاطاً وحيوية الآن. جون هيوز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مساعد وزير الخارجية الأميركية في إدارة ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"