بينما يصارع الرئيس الباكستاني "برويز مشرف" للخروج من دائرة الاستياء الشعبي المتفاقم إزاء حكمه، انخرطت غريمته السياسية الأولى "بينازير بوتو" في حملة دولية لإعادة إحياء مكانتها السياسية. فقد صعّدت "بوتو"، رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب "الشعب" الباكستاني التي تعيش في المنفى منذ 1999 من انتقاداتها لحركة "طالبان" الناشطة في بعض المناطق النائية من البلاد. ولتهميش الأحزاب الإسلامية الوازنة في باكستان، سعت "بينازير بوتو" إلى تشكيل تحالف معارض يضم قوى سياسية متنوعة استعداداً للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى أواخر السنة الجارية. وفي مسعى لطمأنة واشنطن بأنها ستكون حليفتها الأساسية أكدت أنه في حال انتخابها رئيسة لباكستان، فإنها ستكون أكثر مقدرة على إقناع الرأي العام بضرورة المشاركة في جهود مكافحة الإرهاب. وتأتي هذه التطمينات التي أطلقتها "بينازير بوتو" في الوقت الذي وجهت فيه واشنطن انتقادات إلى "برويز مشرف" لما تراه التباساً في محاربته لـ"طالبان" و"القاعدة" اللتين تنشطان داخل الحدود الباكستانية. هذا ولم تتردد "بوتو" في نقل حملتها الدولية إلى عاصمة غريمة بلادها التقليدية الهند. وصرحت رئيسة الوزراء السابقة في حفل عشاء حضره أعضاء من النخبة الحزبية وقطاع الشركات في العاصمة الهندية نيودلهي أواخر شهر مارس الماضي قائلة: "لا أعتقد بأن نظامنا الحالي استطاع فصل اسم باكستان عن الإرهاب، لكنني أعتقد بأن حكومة شعبية ديمقراطية قادرة على ذلك". ولتعزيز حظوظها قامت "بنازير بوتو" بالاستعانة بخدمات شركة متخصصة في الضغط على أصحاب القرار بالعاصمة الأميركية واشنطن، كما شاركت بمقال رأي نشرته في "واشنطن بوست" موجه إلى المؤسسة الرسمية الأميركية في العاصمة. وفي شهر فبراير الماضي ألقت خطاباً في "مركز أميركان إنترابرايز" المعروف باتجاهه "المحافظ" لشرح أجندتها السياسية وحشد التأييد لها. "بينازير بوتو" تعيش في منفى اختياري بسبب تهم الفساد التي وجهت لها ومازالت تلاحقها، وهي اليوم توزع وقتها بين لندن ودبي وتبدو أكثر إصراراً على تهيئة الأجواء للرجوع مجدداً إلى باكستان، رغم العراقيل الموجودة أمامها. وفي هذا الإطار يقول "حسين حقاني"، وهو مستشار سابق لـ"بينازير بوتو" الذي يرأس حالياً مركز العلاقات الدولية في بوسطن بالولايات المتحدة: "يبدو أن استراتيجيتها هي السعي إلى إقناع المجتمع الدولي بأن التغييرات التي قد تطال أسلوب الحكم في باكستان، وهي التغييرات التي ستصب لصالحها في النهاية، مهمة أيضاً بالنسبة للحرب على الإرهاب". ومع ذلك لا يبدو، على الأقل في الوقت الراهن، أن إدارة الرئيس بوش تهتم كثيراً لما تقوله "بينازير بوتو". فمازال البيت الأبيض ملتزماً تجاه الجنرال "برويز مشرف"، على رغم الاحتجاجات الأخيرة ضد إدارته بعد أن أقال كبير القضاة وتصاعدت حدة المظاهرات التي أصبحت تعكس في الواقع مدى الاستياء الشعبي إزاء الحكم العسكري. ويشير المراقبون في واشنطن وإسلام أباد إلى تشكك البيت الأبيض من قدرة "بينازير" في السيطرة على الجيش وأجهزة الاستخبارات القوية في البلاد، كما يبدي قلقه أيضاً من التهم الموجهة إليها، وإلى زوجها بجني الملايين من الدولارات لتسهيلهما صفقات حكومية مع شركات خاصة عندما كانت هي في السلطة. ويؤكد هذا الطرح "كريج كوهن"، نائب كبير الموظفين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بقوله: "لست متأكداً من أن الإدارة الأميركية ستغير موقفها من برويز مشرف فقط، لأن بينازير تنتقده، ولابد لكي يحدث ذلك من وقوع شيء جوهري في باكستان". والأهم من ذلك حسب "كريج كوهن" أنه لا يوجد ما يدل على أن "بينازير" قادرة على انتزاع السلطة الحقيقية من يد المؤسسة العسكرية والأجهزة الاستخباراتية المتحكمة في الحياة السياسية في باكستان. وإذا كان البيت الأبيض مازال متمسكاً بالرئيس برويز مشرف، يبقى موقف "الديمقراطيين" في واشنطن غامضاً إلى حد بعيد. وجاءت الإشارة الأولى في مطلع شهر مارس عندما وجه أربعة أعضاء من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بمن فيهم "جوزيف بايدن"، المرشح للانتخابات الرئاسية، رسالة إلى الجنرال "برويز مشرف" يحذرونه فيها من أنه من دون عودة رموز المعارضة إلى البلاد فإنه "سيكون من الصعب على المجتمع الدولي التعامل مع انتخابات 2007 على أنها تعبير صادق على الديمقراطية". من ناحيته لم يغلق "برويز مشرف" باب العودة أمام "بينازير"، لكنه اشترط مثولها أمام المحكمة لمواجهة تهم الفساد الموجهة إليها، وهو ما غذى الإشاعات عن قرب التوصل إلى اتفاق يسمح لها بالعودة مجدداً إلى باكستان في ظل ما أعلنته الحكومة يوم الأربعاء الماضي من أنها ستلغي الشعبة القضائية التي تولت التحقيق في الأصول التي تملكها بعض الشخصيات السياسية في الخارج بما فيها "بينازير". ومع ذلك لم يصدر أي تصريح عن الجنرال برويز مشرف يدل على وجود صفقة من أي نوع بينه وبين "بينازير" تسمح لها بالرجوع إلى البلاد، حيث قال في لقاء مع إحدى القنوات التلفزيونية: "لا توجد مفاوضات خلفية من أي نوع، وأؤكد بأن الأحزاب الموجودة في الداخل ستشارك في الانتخابات، لكن الذين يعيشون في الخارج سيمكثون هناك، هذه هي الحقيقة، ولا وجود لصفقة أو تغيير". واللافت أن "بينازير" لم تسعَ طيلة فترة الاحتجاجات السابقة التي شهدتها باكستان على برويز مشرف إلى حشد أنصارها وإنزالهم إلى الشارع تحسباً لأي انعكاسات سلبية على مستقبلها السياسي. وقد ظهر تعطش "بوتو" للرجوع مجدداً إلى السلطة على نحو واضح خلال حفل العشاء الذي أقيم في نيودلهي، حيث وعدت الجمهور الهندي بتطوير العلاقات الثنائية والتوصل إلى سلام إذا ما حكمت باكستان مرة أخرى. سوميني سينجوبتا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في نيودلهي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"