فاجأ حميد القطامي، وزير الصحة، الكثيرين بالاعتراف بأن وضع وزارة الصحة الراهن "صعب ومؤلم"، وأن الوزارة لن تتمكن في ظل إداراتها الحالية من النهوض بالخدمات الصحية لمستوى الطموح. وهاجم الوزير مَنْ وصفهم بـ"الحرس القديم" في الوزارة، متّهماً إياه بعرقلة التطوير. ويبدو أن الصراع مع "الحرس القديم" داخل الوزارة بات يؤرق الوزير، لدرجة اليقين باستحالة التطوير ما لم يتم تغيير جميع الإدارات المعنية، والمؤكد أن هذا الاستنتاج عائد بالأساس للفترة التي قضاها الوزير منذ تولّيه المنصب، وهي فترة كافية للتعرّف إلى مَواطن الخلل، وإجراء "أشعة تشخيصية" للجسد الإداري المترهِّل الذي تسبب في سوء أحوال الخدمات الصحية، وهروب المرضى للعلاج في الخارج، أو إلى القطاع الطبي الخاص في الداخل. محور الحديث لا يتعلق بلفظ "الحرس القديم"، أو بتقسيم القيادات إلى جديد وقديم، بقدر ما يتعلق بضرورة الأخذ بالتخصصية، وفكرة تقسيم العمل، والانسجام ضمن روح الفريق الذي يسعى إلى تطبيق خطط مرحلية جديدة تتناسب مع طموحات المستقبل، وتلبية الحاجة المُلحّة إلى خدمات صحية راقية تتناسب مع المعايير العالمية، خصوصاً أن دولة الإمارات نجحت في الارتقاء إلى معايير العالمية في قطاعات أخرى، فلماذا تتخلّى عن هدفٍ كهذا في قطاع حيوي مثل الخدمات الصحية؟ لا نحتاج في هذه المرحلة إلى هدر الجهد والطاقات في الصراعات الإدارية، فالواقع المتدهور للخدمات الصحية لا يخفى على أحد، ولا تخطئه عين المراقب، رغم نزيف التصريحات التي كانت تتردد من مسؤولي هذا القطاع حول رقي الخدمات وديمومة التطوير وغير ذلك من كلمات برّاقة لم تكن تجد لها صدى واقعياً. وإذا كان وزير الصحة قد تحدث عن عرقلة مَنْ وصفهم بـ"الحرس القديم" للتطوير في وزارته، فإن "الرسالة" بين سطور هذا الكلام تطال مواقع عمل حكومية أخرى كثيرة، ينبغي أن تستوعب هذا المضمون، وتعمل على مواجهة واقعها بشفافية، كي تتخلص ذاتياً من ثغراتها ومشكلاتها، وتحاول الاستماع إلى نداءات التطوير في تقديم الخدمات وتحسين الأداء. ومن الضروري أيضاً تطوير جوهر الأداء وليس الاكتفاء بالشكل فقط، فهناك حاجة فعلية إلى تغيير الفكر الإداري السائد في كثير من مواقع العمل والإنتاج، خصوصاً أن بعض الجهات سعت إلى تغيير "واجهة" الخدمات الجماهيرية، من دون إحداث تطوير نوعي حقيقي في فلسفة العمل والإنتاج؛ فالتطوير المأمول لا يقتصر على إحلال "الحواسيب" و"الشاشات" بدلاً من (الأقلام) والملفات الورقية فقط، بل يطال (فلسفة العمل والفكر الإداري)، ولا ينسحب على وزارة الصحة فقط، بل يشمل مواقع حكومية عديدة، باتت مسكونةً بالجمود الذي تحوّل إلى تراجع بمرور الوقت. وفي ظلّ هذا التقدم المطّرد للعالم من حولنا، فهناك مسؤولون يؤثرون التعرّف إلى ما يحدث داخل دوائرهم من خلال التقارير الرسمية التي "تتجمّل" أحياناً، و"تكذب" أحياناً أخرى، وهناك مسؤولون يعالجون الأزمات والإشكاليات بالكلمات، وهناك مسؤولون يظهرون في الصحف أكثر مما يظهرون في مكاتبهم، وهناك مسؤولون استسلموا للأوضاع السائدة، واختاروا مسايرة الواقع رغم رداءته، وتجنَّبوا الاعتراف بالحقائق رغم مرارتها في بعض الأحيان. الإمارات تعيش مرحلة تنموية جديدة تتطلب حراكاً إدارياً وقواعد واضحة للمساءلة والمحاسبة، وإحساساً جدياً بقيمة الوقت والمسؤوليات وثقافة عمل وفعل تتناسب مع الطموحات والتحديات، وبالتالي فلا مجال للتقصير والمقصِّرين، ولا فرصة للجمود والروتين. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية