بغزوها للعراق دون خطة ولا فهم واضح للعواقب والتداعيات المترتبة على الحرب، فرضت إدارة بوش قيداً على نفسها، وعلى الشرق الأوسط كذلك. فهناك أغلبيات عراقية وأميركية معتبرة، تريد للقوات الأميركية مغادرة العراق، على رغم أن استمرار وجودها، أصبح مصدراً رئيسياً لاشتعال نار التمرد الجاري حالياً. لكن وعلى رغم إلحاح هذه الرغبة على جانبي الرأي العام الأميركي، فإن هناك هاجساً مشتركاً أيضاً، إزاء المغادرة المبكرة وغير المحسوبة لهذه القوات. فالخوف أن ينحدر العراق إلى هوة سحيقة وأكثر عمقاً من الحرب الأهلية، التي لا يستبعد أن تمتد تأثيراتها السالبة لتشمل المنطقة بأسرها. ويتنامى الخوف في كلا الجانبين لدى البعض، من أن يؤدي كل هذا إلى تقوية شوكة طهران، التي تعد الرابح الأول من هذه الحرب، وهو ما يجعل منطقة الخليج العربي كلها، في مواجهة مطامع النفوذ الإيراني. ولئن كانت هذه الهواجس قد جرى التعبير عنها في الولايات المتحدة أولاً، فقد تبيَّن أن لها ما يوازيها هنا في العالم العربي. ذلك هو ما كشف عنه استطلاع للرأي العام العربي، أجرته في الآونة الأخيرة "مؤسسة زغبي العالمية لاستطلاعات الرأي" في خمس دول عربية، هي المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، ولبنان. وقد شمل الاستطلاع عينة من 3400 شخص من الدول الخمس، التي تعد جميعها حليفة للولايات المتحدة الأميركية. وفي كل واحدة منها، عبرت الأغلبيات عن مشاعر سلبية إزاء الدور الذي تؤديه كل من الولايات المتحدة وإيران حالياً في العراق. وتراوحت هذه النسب السلبية بين 96 في المئة في الأردن، و83 في المئة في مصر، و68 في المئة سلباً في المملكة العربية السعودية. أما نصيب طهران فلم يكن حظه أفضل حالاً في النتائج السلبية، إذ تراوحت هذه النسب بين 78 في المئة من الرأي العام السعودي، وأكثر من ثلثي الرأي العام الأردني والإماراتي واللبناني والمصري. وما أن وجه السؤال إلى المستطلعة آراؤهم عما هو الجانب الأكثر إثارة لقلقهم ومخاوفهم إزاء العراق؟ حتى جاءت إجابات ما يقارب نسبة 50 في المئة منهم: أن يتم تقسيم العراق وتمزيقه إلى ثلاثة أقاليم مستقلة ذاتياً، أو ينحدر إلى حرب أهلية شاملة، تمتد تأثيراتها إلى خارج حدوده، مؤدية إلى نشوء أزمة إقليمية. واحتل الخوف من احتمال احتلال أميركي دائم للعراق، المرتبة الثانية من هواجس وقلق المستطلعين. وعن هذه الهواجس الأخيرة، جاءت النسب المعبرة عنها كما يلي: 47 في المئة في الأردن، و38 في المئة في مصر، ثم 25 في المئة من الرأي العام السعودي. إذن والحال هكذا، فما الذي يجب على الولايات المتحدة فعله؟ في الإجابة قال نحو 75 في المئة من المصريين والأردنيين، إن على واشنطن الانسحاب الفوري من العراق. وهي وجهة النظر التي أيدها 40 في المئة، في بقية الدول الأخرى التي شملها الاستطلاع. وفي المقابل فإن مواصلة الدور الدبلوماسي، إلى جانب مواصلة الجهود من أجل الحفاظ على وحدة العراق، هي الخيار المفضل لدى السعوديين والإماراتيين واللبنانيين. كما أظهرت نتائج استطلاع الرأي هذه، ضعف التأييد الشعبي العربي، لخطة بوش الرامية إلى زيادة عدد القوات الأميركية في العراق. وبما أن جميع هذه الدول الخمس تعد دولاً حليفة رئيسية للولايات المتحدة في المنطقة، فإنه لمن المستغرب جداً أن تمضي إدارة بوش في تنفيذ خططها واستراتيجياتها العراقية، دون أن تلقي أدنى بال لما تراه شعوب هذه الدول! على أن التوصيات التي رفعتها "مجموعة دراسة العراق" للإدارة، لا تزال تشكل المسار الصحيح، الذي يجب على الإدارة اتخاذه. وعلى رغم ما قيل عن موات تلك التوصيات، فإنها اكتسبت حياة جديدة لها الأسبوع الماضي، عندما أجاز مجلس النواب الأميركي، تشريعاً جديداً بشأن تمويل الحرب في العراق، بناءً على توصياتها.