ربما لم يكن من الجائز التدخّل في ما يحدث بين أعضاء جمعية الصحفيين، لو كان الأمر قد بقي داخل جدران الجمعية، ولكن الحاصل أن الحوار أو بالأحرى النزاع خرج إلى دائرة العلن، وأصبح متداولاً على صفحات الجرائد، بل يمكن القول من دون مبالغة، إنه تحوّل من جانب البعض إلى حرب كلامية استخدمت فيها الألفاظ العابرة من العيار الثقيل نسبياً، والأخطر من ذلك أن هناك مَنْ لجأ إلى استخدام الأسلحة الواقعة تحت أيديه في إدارة الأزمة محتكماً إلى القرّاء، وانتقل "الحوار" بالتبعية إلى مربع آخر، وتحوّل إلى ساحات الصحف اليومية ليعكس صورة غير مرغوبة للحوار بين الصحفيين. وسواء كان التوصيف المفاهيمي لما يدور داخل أروقة جمعية الصحفيين "سوء فهم" أم "سوء تفاهم" كما تساءل أحد الصحفيين البارزين في مقالته بصحيفة "الاتحاد"، أمس، فإن متابعة ما ينشر حول الشدّ والجذب الدائر داخل جمعية الصحفيين، يرقى فعلياً إلى حدّ وضع الأمور داخل دائرة "الأزمة" ذات الأبعاد المتعددة، فهي ليست أزمة إجرائية تقليدية، بل هي بالأساس "أزمة حوار" الكل يخسر فيها، بما في ذلك المجتمع ذاته وليس الجمعية فقط، باعتبار أن تراجع الدور الوليد للجمعية على ساحة العمل العام ينطوي على تراجع نسبي موازٍ في زخم التطور السياسي الذي تشهده البلاد، وبالقدر ذاته ينطوي على انتقاص من قوة الدفع المفترضة في آليات عمل (جمعيات النفع العام)، القادرة على تحريك المجتمع ودفعه باتجاه التطور المنشود في مختلف المجالات. أخطر ما يمكن أن يواجه أي مهنة، خصوصاً الصحافة، هو التشرذم، وفتح الباب أمام الاستقطابات من داخل المهنة ومن خارجها، وتحويل الجمعية إلى تكتلات بين مؤيد ومعارض لموضوع قابل للتوافق والاتفاق، بما ينبئ بصعوبات مستقبلية في إمكانيات الحوار والتفاهم حول قضايا وموضوعات أصعب وأخطر، تتجاوز في مداها التأثيرات المحدودة لموضوعات مثل مدى أحقيّة الشركات الخاصة في رعاية أنشطة وفعاليات الجمعية وغير ذلك. والمؤكد أن إدارة خلافات الرأي بين قادة الرأي والفكر في أي مجتمع بهذه الطريقة يدق جرس إنذار ينبغي أن ينتبه إليه الجميع، على اعتبار أن قدراً مهماً من صدقية مطالبتهم بمزيد من حريات الممارسة الصحفية، يرتبط بإثبات قناعتهم بقواعد اللعبة الديمقراطية، التي هي بالأساس منظومة أخلاقيات وقيم وسلوكيات بل هي نمط حياة متكامل، وهذا النمط ينهار أو يتآكل تلقائياً بمجرد تجاوز اللاعبين الفاعلين للقواعد الأخلاقية والسلوكية المتعارف عليها؛ والمعنى هنا أن جمعية الصحفيين مدعوّة لإعلاء قيم مثل حرية التعبير وحق الاختلاف، وأن تلتزم بمواثيق المهنة التي تنص على حظر التصرف بطريقة تسيء إلى كرامة المهنة أو الجمعية والمنتسبين إليها، كما تنص على الدفاع عن الحريات، وتعميق الممارسة الديمقراطية، وعدم الخروج على قواعد اللياقة في التعاطي مع الزملاء، وتفادي السقوط في فخ التجريح والسبِّ وغير ذلك. الخاسرون في نزاع جمعية الصحفيين كثيرون يتقدمهم بيت الصحفيين أو جمعيتهم، ثم مهنة المتاعب ذاتها، التي يتعيّن عليها أن تنتظر اتفاق الفرقاء لبدء مناقشة متاعبها وهمومها وإشكالياتها ويسعون إلى تطويرها، والسيناريو الأخطر في هذا النزاع، أن يصبح "حالة خلافية مزمنة"، وتتحوّل الجمعية إلى ساحة صراع شخصي أو جماعي تنال سلباً من المناخ الإعلامي السائد ويدفع ثمنها المجتمع بأسره. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية