تغيُّر المناخ العالمي لا يريد أن يتغير. هذه حصيلة التقرير الجديد، الذي صدر أخيراً عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ العالمي". فبعد نحو عشرين عاماً على تأسيسها، ومرور حوالي خمس عشرة سنة على مصادقة معظم دول العالم على الاتفاقية الخاصة بالمناخ لم يُحسم النقاش داخل الهيئة حول ما إذا كان "من المحتمل"، أو "المحتمل جداً"، أو "المحتمل للغاية" أن يتغير مناخ العالم بسبب النشاطات البشرية على الكرة الأرضية؟ استغرق النقاش على هذه العبارة خمس ساعات، وساهم فيه 300 مسؤول من 113 بلداً. ومع أن السعودية متهمة دائماً بمناهضة اتفاقية المناخ فعبارة "من المحتمل كثيراً"، التي اقترحها ممثلها نالت موافقة الطرفين الرئيسيين المتنازعين الصين وأوروبا! و"بهذا أزيلت علامات الاستفهام حول ما إذا كانت هناك أي علاقة للنشاطات البشرية بتغير المناخ". أعلن ذلك مدير "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" التي ساهمت في إنشاء الهيئة وتمويلها. وهذه ليست أول مرة يُزعم فيها الوصول إلى اليقين حول مشكلة تغير المناخ العالمي، التي يُعتقد بأن سببها الرئيسي تراكم الغازات المنبعثة عن حرق النفط والفحم والغاز في جو الكرة الأرضية. وقد تابعتُ ذلك شخصياً منذ صدور كتابي "مستقبلنا المشترك"، عام 1988 في سلسلة "المعرفة" الكويتية، والذي تضمن "تقرير لجنة الأمم المتحدة للبيئة والتنمية". وفي العام نفسه غطيت اجتماع تأسيس "الهيئة" في مقر "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" في جنيف، واستبشرت بإسناد منصب نائب رئيسها إلى الدكتور عبدالبر القيّن، رئيس "هيئة الأرصاد وحماية البيئة" التابعة لـ"وزارة الطيران والدفاع السعودية". ولم يصدر للأسف أي كتاب، أو بحث عن هذا العالم السعودي، الذي رحل عن الحياة قبل سنتين، على رغم أنه يعتبر مرجعاً عالمياً في الموضوع. وقد استشهد العالم البريطاني نايجل كالدر في كتابه عن نظريات المناخ بقوله إن "الطلب من الصين والهند والبلدان النامية عدم استخدام النفط، كالطلب من بائع جوّال فقير جمع خلال 20 سنة نقوداً لشراء سيارة، الاستمرار في استخدام الحمار لنقل بضائعه"! والنفط هو المتهم الرئيسي عن تغير المناخ. عرفتُ ذلك خلال عملي 12 عاماً محرراً علمياً في صحيفة "الحياة". وكنا قد صدّعنا خلال ذلك القراء بمفردات علمية معقدة، مثل "غرفة الدفيئة"، وكنا نسميها "الصوبة"، و"غازات الوقود الأحفوري"، وهي الغازات، التي تنبعث من إحراق النفط والفحم والغاز الطبيعي، و"تغير المناخ العالمي"، وكنا نثير هلع القراء بتسميته "انهيار مناخ الكرة الأرضية"، و"الاحتباس الحراري"، ونسميه أحياناً "الاحترار العالمي"، و"استنزاف التربة"، و"التنوع البيولوجي"، و"التصحر"، و"تعرية الغابات"، و"اضمحلال طبقة الأوزون" المشهور باسم "ثقب الأوزون"! وكان النفط هو الحاضر الغائب في مؤتمرات المناخ والبيئة، التي غطيتها في لندن وجنيف وفيينا وبوسطن ولوس أنجلوس ومراكش وأبوظبي، وكذلك في جميع القمم العالمية في تسعينيات القرن الماضي حول المياه والغذاء والصحة والسكن والعلوم في دبلن واسطنبول واستوكهولم وروما وباريس وبودابست، وأهمها "قمة الأرض" في ريو دي جانيرو عام 1992. شارك في القمة 114 رئيس دولة، وفي مقدمتهم جورج بوش الأب، الذي قوبل بمظاهرات حاشدة تحمل شعارات تدين "حرب النفط" على العراق. وكان عنوان أول تقرير ينشر لي حول الموضوع في الصفحة الأولى من "الحياة": "تغيُّر المناخ العالمي مشكلة كبرى تهدد مصير الحياة على الأرض". نُشر التقرير في 24 يونيو عام 1991، أي بعد أربعة شهور تقريباً على حرب العراق، وتضمن مقابلة مع مصطفى شاهين، الذي كان حينذاك رئيس العلماء في "مختبر الدفع النفاث" التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، ورئيس "اللجنة العلمية الدولية لدرس دورة الطاقة والمياه في الكرة الأرضية". وكنت أتمنى في الحقيقة أن يكون عنوان التقرير "كبير علماء الفضاء يؤمن بوجود كائنات فضائية". فالدكتور شاهين، اللبناني الأصل من "الأبطال المجهولين" في عصر الفضاء، الذين أعادوا كتابة علوم الفلك، وحققوا انقلابات في معرفة الكون. واللقاء به في مختبره في مدينة "باسا دينا" بولاية كاليفورنيا كان فرصة العمر لمعرفة الجواب عن أسئلة تولد في ذهن أطفالنا، الذين يستغرقون بالنوم في ليالي الصيف تحت سماء مكشوفة مكتظة بالنجوم: "هل هناك مخلوقات مثلنا في الكون"؟ وقد استغرق الجواب عن هذا السؤال معظم حديث شاهين، الذي يؤمن بوجود آلاف الحضارات المشابهة لحضارتنا في مجرة "درب التبانة" فقط، التي تضم الشمس والكرة الأرضية، وهي واحدة من مليارات المجرات في الكون. لكن الاكتشافات الكونية لا تعادل واحداً بالألف مما كتبته عن "تغير المناخ العالمي"، رغم أنني أعتقد أحياناً أن قدوم كائنات فضائية قد يحدث قبل العثور على يقين علمي بصدد تغير المناخ العالمي! اليقين الوحيد، الذي أملكه بصدد "تغير المناخ العالمي" يتعلق بعلاقته بالحرب على العراق عام 1991 واحتلاله عام 2003. والعلاقة بين الاثنين هي النفط، الذي يُعتبر المسؤول الأول عن كليهما. هل يعني هذا أن "تغيّر المناخ العالمي" مؤامرة؟ ليس تماماً. إنه، كالحرب على العراق أعقد من مؤامرة، والمؤامرة أغبى عناصره. فالدراسات العلمية حول المناخ تمثل أكبر مساعي البشرية طموحاً للتعرف على كوكبنا الأرضي. وهي لا تتوقف عند النفط، بل تتناول جميع ما يؤثر على الكرة الأرضية، بما في ذلك الأشعة الكونية والنشاط الشمسي، اللذان يلعبان، حسب تقدير عدد كبير من العلماء الدور الحاسم في المناخ العالمي. تدرس ذلك "منظومة رصد الأرض" التي تتكون من مجموعة أقمار ومركبات فضائية ترافق الدورة الشمسية الكاملة وتستغرق 22 سنة، وبينها القمر، الذي صممه شاهين، واختار له اسم "أكوا" Aqua، ويعني الماء باللغة اللاتينية. مهمة القمر، الذي أطلق عام 2002 جمع المعلومات عن دورة المياه في الطبيعة، بما في ذلك مياه المحيطات وبخار الماء في الجو والأمطار والأنهار والثلوج ورطوبة التربة. وشاهين من أول العلماء، الذين قد يعرفون الحقيقة حول تغير المناخ العالمي، عندما يتسلمون نتائج استقصاءات المنظومة في الفترة ما بين عامي 2010 و2020. هذه المعلومات، التي شرحها لي شاهين مكنتني من تحقيق السبق في "قمة الأرض" على زملائي، الذين بلغ عددهم 8749 صحفياً من جميع أنحاء العالم. لقد تركتهم يسجلون خطب زعماء الدول داخل المؤتمر، والتحقت بركب "الكاريوكا"، وهو الاسم، الذي يطلق على سكان مدينة ريودي جانيرو. كان "الكاريوكا" قد صفقوا بقوة للرئيس الكوبي فيدل كاسترو، لأنه أميركي لاتيني مثلهم، ولأنه التزم بالحديث خمس دقائق فقط، لكنهم تسللوا إلى شاطئ كوباكابانا عندما عرفوا أن هناك مئة زعيم دولة آخرين. واستلقيت و"الكاريوكا" على الرمال نستقي كؤوس عصير غابة الأمازون ذات الأسماء والألوان الخلابة: "أسيرولا" و"أميكسيا" و"لاناكاشا" و"آجوا دي كوكو". زرقة السماء الاستوائية الساحرة فوقنا لم يكن يشاركنا فيها سوى بضع طائرات مروحية لحراس "القمة"، الذين تركوا زعماء العالم وجاءوا يحرسون "الكاريوكات"!