عندما يتحدث تقرير صحفي عن استعانة باحثين قانونيين بوزارة العمل بـ"فرّاش" (قسم المنازعات العمالية)، لبحث الشكاوى العمالية والاستفسار عن فحوى الشكاوى، والاضطلاع بمهمة الترجمة بين الباحثين والمراجعين الذين لا يجيدون اللغتين العربية والإنجليزية ويتحدثون بلغات أخرى، عندما يحدث ذلك في وزارة حيوية مثل "وزارة العمل"، فإن الأمور تبدو بحاجة إلى إعادة نظر حقيقية. الوزارة لم تنفِ قطعياً اللجوء إلى "الفرّاش" في الترجمة، ولكنها حصرت المسألة في استعانة "الباحثين الجدد" بجهوده من أجل معالجة الشكاوى المُقدّمة، معلنة أنها بصدد تعيين مترجمين معتمدين في الفترة المقبلة، ما يعني أن دور "الفرّاش" سيظلّ قائماً بقوة الأمر الواقع، ولو بالنسبة إلى الباحثين الجدد فقط!! الإشكالية هنا متعددة الأبعاد، فالوزارة تتحدث "ليل- نهار" عن طفرة نوعية في التفتيش ومعالجة القضايا والأزمات العمالية، بل تكرر دوماً دعوتها إلى أصحاب الشكاوى للتخلي عن أساليب مثل الاحتجاج والتظاهر والتوقف عن العمل، واللجوء إلى الطرق القانونية للمطالبة بالحقوق وفضّ النزاعات مع أصحاب العمل، وما أن يطرق هؤلاء أبواب الوزارة حتى يجدوا أنفسهم في مواجهة "الفرّاش" الذي يؤدي مهمة تتطلب دقة بالغة في الترجمة، وأيضاً حيادية ونزاهة لإحقاق الحق ونزع فتيل الأزمات. الاستعانة بـ"فرّاش"، والرهان على دوره في حلّ قدرٍ -ولو ضئيل- من النزاعات العمالية مسألة لا تحتاج إلى تعليق، بقدر ما تثير من التساؤلات، حول صدقيّة سيل التصريحات الصحفية الصادرة عن وزارة العمل، بشأن تطوير الأداء، وإيجاد خطط وقائية وأخرى علاجية، وبلورة تحركات تكتيكية وأخرى استراتيجية، في معالجة هذه الإشكالية أو تلك، من الإشكاليات العمالية التي يعجُّ بها سوق العمل؛ إذ يجد المراقب نفسه في مواجهة ممارسات تثير الصدمة، مثل واقعة "الفرّاش" هذه، فهي قد تبدو للبعض مسألة هيّنة أو دون أثر جدّي، ولكن التعمّق في قراءة الموقف، والانطلاق في ذلك من الإلمام بزوايا المشهد العمالي المعقّد، ربما تدحض أي شعور بالتهوين من هكذا ممارسات إدارية، ليس فقط لأن "معظم النار من مُستصغرِ الشرر"، ولكن لأننا على يقين بأن بناء جسور الثقة وتمتين العلاقة بين وزارة العمل والعمالة الوافدة، هما بوابة حتمية لتسوية العديد من الإشكاليات العمالية، بمعزل عن الفوضى والاحتجاج والغضب القابل للتمدّد، سواء بين أفراد التجمّع العمالي الواحد، أو الانتقال إلى تجمّعات عمالية أخرى، في ظل وجود بيئة خصبة قابلة للعدوى، أو احتضان "فيروس" الغضب والتظاهر. الحديث عن بناء الثقة وغرس القناعة بأن الوزارة قادرة على لعب دور الحَكَم بين العمال والشركات، يتطلب امتلاك الوزارة لأدوات "التحكيم"، من تشريعات وجاهزية إدارية وآليات فاعلة ومؤهلة لضبط إيقاع العلاقة في حال اختلّ توازنها، أو شعر أحد أطرافها بالغبن، وإثبات حيادية الوزارة وموضوعيتها في إدارة هذه العلاقة، ومن دون ذلك، وفي ظل أخطاء أو جوانب ضعف قد تبدو محدودة التأثير مثل الترجمة وغير ذلك، من الصعب أن نتحدث عن تكريس دور الوزارة في هذه المهمة، ليس فقط لأن شكوك المراجعين قد تلاحق شكاواهم، ولكن أيضاً لأن هؤلاء قد يقفزون إلى استنتاجات تفترض عدم الجديّة في معالجة شكاواهم، وبالتالي فإن البدائل الأخرى تقفز إلى الذهن وتطرح نفسها تلقائياً، أو هي على الأقل ليست بعيدة عن نطاق تفكير المتشككين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.