يوافق الاثنين المقبل، الذكرى التاسع عشرة لاغتيال نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، خليل الوزير "أبو جهاد"، في تونس، في عملية شارك فيها سلاح الجو ووحدات خاصة إسرائيلية. وتتعدى أهمية الوزير الإطار الفلسطيني، إلى التاريخ العربي المعاصر، عامة؛ بسبب مركزية دوره في تشكيل فكرة حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية، في خمسينيات القرن الماضي، بديلاً لفكرة الاعتماد على الحل العربي، وانتظار التحرير على يد الجيوش العربية، فهو صاحب فكرة "فلسطين أولاً"، وفكرة تولي الفلسطينيين قضيتهم بأنفسهم، مسهماً بذلك بدور فاعل في الجدل العربي المعاصر، حول العلاقة بين القومي والقطري، وفي الجدل الذي ساد قبل عقود حول أولوية التحرير والوحدة العربية، "الوحدة طريق التحرير"، أو "التحرير طريق الوحدة". وهو صاحب دور ميداني كبير في الثورة الفلسطينية، منذ ما قبل البدايات، وعلى مر مراحل هذه الثورة، حتى استشهاده، بما فيها من زلل وثغرات وإخفاقات وأخطاء وفشل، بجانب الإنجازات والبطولات والنجاحات، ومن هنا فدراسة الوزير ضرورية، ليس توثيقاً لسيرته "البطولية" فحسب، بل ولأجل فهم التاريخ العربي المعاصر. ويمكن أن تكون دراسته جزءاً من عمل أكاديمي واسع، لدراسة ظواهر المقاومة، خاصة أنّ المرحلة الراهنة، عالمياً، تكاد تكون مرحلة انتهاء فكرة المقاومة بصورتها الكلاسيكية، وتكون مرحلة "ما بعد المقاومة"، بما فيها من معطيات وأدوات جديدة. بدأ الوزير حياته في جماعة "الإخوان المسلمين"، في قطاع غزة، (عام 1951)، في سن السادسة عشرة، وسرعان ما مل الانتظار، ومل رفض "الإخوان"، تبني نهج الكفاح المسلّح لتحرير فلسطين، كما كان يدعو في رسائله لقيادة "الإخوان"، ورفض أن تكون القضية الفلسطينية أداة بأيدي الأنظمة أو الأحزاب الإسلامية والقومية، لإدارة صراعاتها الداخلية، وبدأ في منتصف الخمسينيات بمبادرات ذاتية، بقيادة عمليات عسكرية انطلاقاً من قطاع غزة، قبل تأسيس حركة "فتح"، مع آخرين، انطلاقاً من الكويت، على أساس عدم الاعتماد على الجيوش العربية، وتبني فكرة حرب التحرير الشعبية، وأهَّله دوره ذلك للقب "أول الرصاص"، ولاعتباره من كثيرين المؤسس الفعلي لحركة "فتح". واستحق "أبو جهاد" لقب "أول الحجارة"، بسبب دوره بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982، في قيادة عملية ما يعرف باسم "العودة للداخل"، أي إعادة مركز المقاومة لداخل الأراضي المحتلة، بإحداث تحول نوعي في أطر المقاومة داخل فلسطين، ليس على شكل مجموعات مسلحة معزولة، كما كان عليه الأمر سابقاً، بل ببناء تنظيمات شعبية ممثلة في أطر تنظيم الشبيبة الشهير، ولجان العمل الاجتماعي والأندية والأطر الجماهيرية، التي أوجدت عشرات الكوادر الميدانية التي قادت انتفاضة عام 1987. ولعل أحد أسباب قرار اغتيال الوزير، بتلك العملية المُعقدة، هو أنّه وربما لأول مرة في تاريخ الثورة الفلسطينية أصبح هناك من يفكر بأسلوب التخطيط الدقيق، وبعيد المدى، ما أعطى الوزير المحاط بمجموعة مساعدين، لقب "مهندس الانتفاضة"، خاصة بتطويرهم فكراً واضحاً يضبط استخدام السلاح ضمن رؤى محددة، واختيار أدوات المقاومة الشعبية المدنية، والمناسبة، وربط المقاومة بأهداف سياسية محددة. ولعل موقف الوزير من التجاوزات التي عاشتها المقاومة، في فترات مختلفة، مما يستحق الدراسة، فمثلا ردّ الوزير في نهاية الستينيات على انتقاد بشأن المبالغة في تجنيد عناصر المقاومة دون تدقيق كافٍ في جديتهم والتزامهم "إننا إذا تلقينا 1000 متطوع وبقي لدينا 100 فقط فإن ذلك مكسب لنا". وكان الوزير الملقب أيضاً باسم "الرجل الصامت"، يتفادى الصدام الداخلي، وتنقل مجلة "فلسطين الثورة"، في بداية التسعينيات، قصة عن الوزير شبّه فيها من يدعو لمواجهة الأخطاء وحالات الزلل الداخلية، بمن يدعو لإصلاح ثقب في جدار منزل، بينما المنزل يتعرض لهجوم شامل، وربما يجوز الآن القول بخطأ بعض هذه الأفكار، دون أن يقلل هذا من حجم الإنجاز. تؤدي دراسة، شخصية مثل الوزير، لفتح ملفات كثيرة، بدءاً من تاريخ موقف "الإخوان المسلمين" من المقاومة، وتقييم مسيرة إدارة الكفاح المسلح، والنتائج الفعلية للتركيز على العامل الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، وطبيعة الديناميات الداخلية للثورة الفلسطينية، ومن ثم الانتفاضة، وغير ذلك من القضايا.