ما كدت أنتهي من تعزية الأصدقاء من المغاربة الذين أعرفهم في حوادث الإرهاب التي طالتهم قبل أيام، حتى دوى انفجار الجزائر عبر وسائل الأخبار. الإرهاب في المغرب أجهضته الأجهزة الأمنية قبل أن يتمكن المجرمون من تنفيذ جرائمهم، والقبض عليهم متزنرين بالأحزمة الناسفة، يسجل لصالح الأجهزة الأمنية المغربية التي اخترقتهم وأوقفت الجريمة قبل حدوثها كما كان مخططاً لها. كان المراقبون والمحبون للجزائر قد توقعوا مع برنامج المصالحة الوطنية، والاستقرار النسبي والنمو الاقتصادي الملحوظ أن عهد الإرهاب "الجبان" -كما أسماه بحق رئيس الوزراء الجزائري- قد ولَّى، ولكن هيهات، فلا زال بيننا مشاريع انتحارية يغذيها التخلف، ويدفعها اليأس لارتكاب جرائم دموية تقتل الأبرياء دون تمييز. فجاء تفجير العاصمة الجزائرية يوم الأربعاء الماضي مدوياً بالمرارة والدم، ساحقاً الأبرياء في الشوارع دون جرم أو ذنب. شاهدت تصويراً لنحر مراسلة "العربية" -أطوار بهجت- الأسبوع الماضي، كانت المراسلة الشهيدة قد اختطفت العام الماضي، لتلقى جثة بلا رأس بعد أسابيع من اختطافها. عجبت لهذا الزمان العجيب، المنظر أكثر تقززاً من التقزز، والمشهد لو تكرر عرضه لـ"الخلوج" لقسى قلبها حتى على رضيعها، والمؤكد أننا نتعامل مع أشباه بشر فقدوا كل قيم الحياة، وبات الحديث عن التعامل معهم أضغاث أحلام لا يمكن لها أن تتحقق. مرت الذكرى الرابعة لسقوط صدام. فشل من جاء بعده بإدارة عراق ديمقراطي مستقر وآمن. ضحايا الأمس، هم جزارو اليوم، وجزارو الأمس فرحون لما آلت إليه الأمور بعد عقود من الجزر والتضحيات. النجف التي كانت الحسينيات ممنوعة بها في عهد صدام، تتظاهر استجابة لدعوة من السيد مقتدى الصدر. السيد متوارٍ عن الأنظار منذ أسابيع، يقال إنه في قُم، والله أعلم! المظاهرات تطالب بخروج الاحتلال، لم يسقط قتلى. إنجاز تاريخي، من كان يتخيل أن مليون عراقي يتظاهرون سلمياً! ترى هل يتظاهر المليون بعد خروج المحتل دون قتلى وجرحى؟ بغداد، بداية عام 1990، صدام يستعرض في مؤتمر صحفي صواعق نووية قال إن علماء شعب العراق العظيم طوروها دون الحاجة إلى التكنولوجيا الغربية، فالعراق شعب عظيم بحضارة تمتد آلاف السنين. ناتانز- إيران أبريل 2007، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يعلن للعالم بكل فخر أن الأمة الإيرانية العظيمة ذات التاريخ العلمي الذي يمتد آلاف السنين قد طورت تكنولوجيا تسمح بتخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي كبير. في طهران وقفت أمام الغول، تداولني بالسوط وبالأحذية الضخمة سبعة جلادين... جاءوا بكرسي حفرت هوة رعب فيه، على هذا الكرسي خصينا بضع رفاق، فاعترف الآن (مظفر النواب في قصيدة تحكي قصة اعتقاله وتعذيبه من قبل سافاك الشاه). تذكر الصحف البريطانية أن الجندية البريطانية تعرضت للتخويف بدق نعشها بعد أخذ مقاساتها. العودة إلى بغداد ثانية: أبريل 1990، إعدام مراسل الأوبزيرفر البريطانية الإيراني الأصل "فارزاد بازوفت" رغم النداءات العالمية المناشدة لصدام حسين بالعفو عنه. التهمة: التجسس، وإطلاق سراح الممرضة البيضاء هدية للشعب الأيرلندي. كانت الممرضة قد واجهت نفس التهمة والتعاون مع بازوفت!! طهران -أبريل 2007، في مؤتمر صحفي للرئيس أحمدي نجاد يعلن فجأة إطلاق سراح البحارة البريطانيين هدية للشعب البريطاني. المراقبون يتوجسون خيفة من تفاقم الأزمة النووية بين إيران والمجتمع الدولي. المتفائلون يقولون إن إيران ستتراجع في اللحظات الأخيرة، عرف الإيرانيون بالبراجماتية الذكية. الذين هم أقل تفاؤلا لا يرون حلاً سلمياً للأزمة... المشهد في المنطقة متوتر ودامٍ، ترى! هل تحتاج المنطقة حروباً إضافية متكررة السيناريوهات والأسباب والنتائج؟