ما يثير الإحباط إزاء الحوار الدائر الآن في واشنطن حول العراق، هو انخراط الجميع في النزاع مع بعضهم بعضاً، مع تناسي الهدف الرئيسي الذي شُنت من أجله الحرب. وسواء أيَّدنا الحرب أم عارضناها، فإن عامل الاستقرار الرئيسي على حد قول الرئيس بوش نفسه، هو أن يكون هناك "عراق قادر على حكم نفسه والدفاع عنها". ومما لا ريب فيه أن تحقيق هذا الهدف، يعتمد اعتماداً كبيراً على الإصلاحات السياسية التي وعد بها القادة العراقيون مراراً، إلا أنهم عجزوا عن الوفاء بها واقعياً. وبصفتي عضواً في "لجنة دراسة العراق"، فما من قائد عسكري تحدثنا إليه هناك، إلا وأكد أن عدم التوصل إلى المصالحة الوطنية، يعد العامل الرئيسي وراء استمرار العنف والمواجهات الدموية الطائفية الدائرة. وكما قال لنا أحد الجنرالات الأميركيين الذين التقيناهم، فما لم تحرز الحكومة العراقية تقدماً سياسياً واضحاً على الأرض، فلن تكفي جيوش العالم جميعاً لبسط الأمن والاستقرار هناك. لذلك وبدلاً من هذا الانشقاق بسبب الاستراتيجيات، بين الرئيس بوش والكونجرس، فإن عليهما أن يوحدا صفهما ويؤكدا للقادة العراقيين، أن التزامنا تجاه بلادكم، ليس مفتوحاً وبلا نهاية. وعلى نحو ما أوصت "لجنة دراسة العراق"، فإنه يتعين على القادة العراقيين أن يدفعوا ثمن فشلهم، فيما لو تواصل عجزهم عن إحداث الإصلاحات السياسية المطلوبة، التي قطعوها على أنفسهم أمام شعبهم. وللسبب نفسه، فإن مناداة كل من مجلسي "الشيوخ" و"النواب"، بتحديد جدول زمني محدد لانسحاب قواتنا من هناك، كشرط لازم لاستمرار تمويل الميزانية التكميلية التي طالب بها بوش، تحمل في طياتها رسالة واضحة المغزى للقادة العراقيين، حتى وإن اعترض عليها الرئيس بحق النقض "الفيتو". وليس من خطأ أسوأ يمكننا أن نرتكبه الآن، أكثر من استمرار تمويلنا للحرب والتزامنا هناك، دون أن نبعث برسائل من أي نوع للقادة العراقيين، نذكِّرهم فيها بالتزاماتهم تجاه الإصلاح. وفي الحد الأدنى على الأقل، فإنه يتعين على الرئيس والكونجرس معاً، أن يجعلا القادة العراقيين يدركون جيداً، أن استمرار دعمنا المالي والعسكري لبلادهم، إنما يتوقف على قدرة بغداد، على إحراز تقدم واضح وملموس فيما قطعه رئيس الوزراء نوري المالكي على نفسه. وللأسف وفيما عدا حالات استثنائية نادرة جداً، فإنه يصعب الحديث عن إحراز أي تقدم عملي يذكر حتى الآن. ولتبيان ذلك، فما علينا سوى الوقوف على ما تحقق في مجالي توطيد الديمقراطية، وتحقيق المصالحة الوطنية، كمثالين يمكن الاستشهاد بهما. فقد وعد العراقيين بالمصادقة على قانون انتخابات المحافظات، بنهاية عام 2006، أو في وقت مبكر من عام 2007 الحالي. ولكن الذي تحقق من هذا الوعد حتى الآن، هو صفر تقريباً. ثم هناك وعد آخر، بالمصادقة على تشريع معني بتنظيم صناعة النفط ومراعاة التوزيع العادل لعائداته. وعلى رغم مصادقة مجلس الوزراء على مسودة هذا القانون، إلا أنه لا يزال عالقاً أمام البرلمان العراقي لكي يجيزه. وهناك وعد آخر بإصدار تشريع يقضي بتفكيك حزب "البعث"، كي تتاح الفرصة لإعادة دمج عدد من مسؤولي النظام السابق، وغيرهم من العناصر القومية العربية في الحياة العامة لعراق ما بعد صدام. إلا أن شيئاً من هذا الوعد لم يتحقق بعد. وأخيراً هناك وعد بإصدار تشريع خاص بالسيطرة على المليشيات الطائفية المسلحة. أما النتيجة العملية، فلا شيء أيضاً. وفي الاتجاه السلبي نفسه، كانت الحكومة العراقية قد وعدت بإجراء استفتاء شعبي عام على التعديلات الدستورية، إلا أن ذلك الوعد راوح مكانه هو الآخر، دون إحراز أي تقدم عملي فيه. وبحلول شهر يونيو المقبل، وعدت حكومة نوري المالكي بإجراء انتخابات المحافظات، إلا أنها لم تحدد جدولاً زمنياً بعد لإجرائها ونحن في أبريل الآن. وينطبق هذا العجز نفسه، على أداء الحكومة في الجانب الأمني. صحيح أنها رفعت معدل إنفاقها على الأمن، بما يتجاوز معدلات العام الماضي 2006، إلا أنها لم تحرز تقدماً يذكر في تجهيز عدد الوحدات الأمنية القادرة على خوض المعارك والمواجهات الحربية مع المتمردين. وبحلول شهر أبريل الحالي، أراد العراقيون السيطرة الكاملة على الجيش العراقي بأسره. وهو مطمح لا يزال بعيد المنال، في ضوء ضعف التقدم العملي الذي أحرز في هذا الاتجاه. وما أن يحل شهر سبتمبر المقبل، حتى يفترض أن تبسط الحكومة العراقية سيطرتها المدنية التامة على جميع المحافظات الثماني عشرة. والحقيقة الماثلة الآن، أنه تسيطر على ثلاث منها فحسب. وبالقدر ذاته، يفترض أن تحقق الحكومة العراقية، بتشجيع ودعم أميركيين، هدف الاعتماد الأمني الذاتي. وعلى رغم أن شهر ديسمبر لم يحل بعد، وبالتالي فإنه ليس من أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث منذ الآن، ولكن هل هناك من يرجح قدرة العراقيين من إنجاز تحدٍّ كبير كهذا؟! ولكي لا نفرط في وصف الحكومة العراقية بالسلبية المطلقة، وكأنها لم تفعل شيئاً البتة في أي مجال من المجالات، فلابد من الإشادة بالجهود الاقتصادية التي بذلتها في الحد من سرعة التضخم المالي في البلاد، فضلاً عن رفعها لأسعار النفط المصفى محلياً. غير أنه يظل صحيحاً جداً القول بضعف أداء الحكومة، في المجال الأمني، لاسيما في عقد المصالحة الوطنية بين المسلمين السُّنة والشيعة. وما لم تمارس واشنطن من الضغوط والحزم ما يكفي لإرغام القادة العراقيين على الوفاء بما وعدوا به شعبهم، فإنه لا يتوقع للأمور أن تمضى باتجاه التحسن في أي وقت من المستقبل القريب المنظور. والملاحظ أن إدارة بوش، تبرر ضغطها الحالي من أجل الحصول على موافقة الكونجرس على ميزانيتها التكميلية للحرب، بالقول إنه لابد من إرسال المزيد من القوات إلى هناك، بما يمكنها من تحقيق قدر من الاستقرار الأمني المؤقت، ريثما يتمكن القادة العراقيون من تحقيق تقدم في التوصل إلى حلول سياسية للأزمة التي تواجهها بلادهم. ولكن الخوف كل الخوف، أن يفهم منطق بوش هذا، كتصريح باللافعل واستمرار العجز من جانب القيادة العراقية. ليون إي. بانيتا رئيس موظفي المكتب الرئاسي في إدارة بيل كلينتون وعضو "لجنة دراسة العراق" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"