يقول الكاتب الإسرائيلي "جريجوري ليفي" نقلاً عن أحد كبار الدبلوماسيين الإسرائيليين "إن إسرائيل يسودها جو عام من الإحباط، ناتج عن عدة أمور من بينها، وربما من أهمها، إحساس الإسرائيليين بأن الفساد قد انتشر في كافة القطاعات السياسية والاقتصادية المختلفة، كما أنهم أدركوا أن الحرب الأخيرة كانت مثلاً للفشل الذريع"، وأن رئيس الأركان الذي اختاره شارون ترك منصبه إثر فضيحة الحرب الأخيرة على لبنان. وأنه لم يحدث أي تقدم في الصراع العربي الإسرائيلي، فقد أصبحت غزة في أيدي حكومة ترأسها "حماس"، ومازال "حزب الله" يتباهى بانتصاره في لبنان، في حين فقدت القيادة العسكرية الإسرائيلية معنوياتها، والأدهى من ذلك أن العالم يشهد ميلاد دولة إيرانية قوية يتوقع أن تلعب دوراً إقليمياً بارزاً في المنطقة. وقد أشارت نتائج إحدى استطلاعات الرأي أن 78% من الإسرائيليين "غير راضين" عن قادتهم الذين تورطوا في الفساد، والذين تستحوذ عليهم الأنانية وتنقصهم الخبرة. وأوضح الاستطلاع أن 68% من الإسرائيليين يعتقدون أن القادة الحاليين أسوأ من قادة إسرائيل في الماضي. وقد تحدث أحد كبار رجال الدولة، عن "فراغ القيادة" وعبّر عن تخوفه من المستقبل الذي لا يحمل في ثناياه أية بشائر بإمكانية وجود قيادة رشيدة (موقع salon الإلكتروني) (http://www.salon.com). وقد صرح "شلومو جازيت" (رئيس شعبة الاستخبارات السابق، في معاريف 6 مارس2007)، أنه مطلوب زعامة جديدة تعيد شعب إسرائيل إلى القيم المنسية. ومن الملاحظ أن "شلومو جازيت" لا يتحدث عما هو قائم بل عما يجب أن يكون، فالجميع يشعر "بخيبة الأمل في زعماء هذا الجيل".نفس الحديث "عما يجب أن يكون" يعبر عنه "يوفال ألبشين" (معاريف 1 أبريل 2007) إلى أن "من الواجب على مواطني إسرائيل الاحتجاج إزاء كثرة الفساد حولهم لا أن يغرقوا في صمتهم وعجزهم ويأسهم". ويلاحظ أن كلا المقالين يشعر بقدر من اليأس بسبب "فراغ القيادة". وفي مقال بعنوان "سياسة أولمرت وضعفه كرئيس للوزراء حولت الدولة إلى بضاعة تُباع بكافة المجالات اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً" بقلم "نحميا شترسلر" (هآرتس 10 أبريل 2007). يقول الكاتب إنه في بداية ولاية أولمرت (وهذا كان قبل سنة فقط)، عبّر عن التفاؤل اللامحدود وطرح مشاريعه وتوجهاته علانية. ولكنه دخل الآن في حفرة عميقة، واتخذ موقفاً دفاعياً شاملاً. هو لم يعد يدافع عن مبادئه، أو يبادر إلى طرح المشاريع والخطوات. وإنما يحاول تمرير يوم أو أسبوع من أجل الحفاظ على البقاء. هو يعرف أنه لا يملك قوة سياسية أو تأثيراً شخصياً يُمكّنه من تحديد الاتجاه والتغيير وقيادة الأمور واتخاذ قرارات صعبة". ولا يختلف موقف"يوئيل ماركوس" كثيراً، ففي مقال بعنوان "جيل الخلفاء في دولة إسرائيل خيب الآمال وعودة نتنياهو ستعتبر تكراراً لمشاعر الخيبة التي تسبب بها قبل ثماني سنوات" (هآرتس 13 مارس 2007)، يتساءل "ماركوس": "لماذا فقد الجمهور ثقة قائده؟" ويجيب بأن الأمر واضح للغاية "وجيل الورثة خيب الآمال واحداً تلو الآخر. حجم الإخفاقات ازداد كلما ازدادت المراهنات والشعارات المرفوعة. "بنيامين نتنياهو"، الذي هزم "شمعون بيريس"، أحد أواخر جيل الاستقلال، وعد بتشكيل حكومة امتياز وتعيين وزراء خبراء في المجالات المختلفة وما إلى ذلك. إلا أنه زرع بذور الكراهية والانقسام وتورط في سلسلة من القضايا والفضائح، وبعد ثلاث سنوات هُزم علىيد إيهود باراك. (في هذه الأيام،حيث يحظى "أولمرت" بتأييد مخجل يبلغ 2 في المائة في الاستطلاعات، وهو يعتبر ناشطاً سياسياً فطناً وحاذقاً، إلا أنه أثبت أنه ليس مجبولاً من الطينة القيادية عندما أصبح رئيساً للوزراء بالصدفة. لقد شغل المنصب في الزمن المستقطع تحت لقب امتداد شارون مُتعهداً بمواصلة دربه، ليس لفك الارتباط وإنما للانطواء الحقيقي. إلا أن حرب لبنان الثانية أنزلته إلى الدرك الأسفل من شعبية رئيس الوزراء في كل الأزمنة، الأمر الذي يبرهن علىأن الشعب ليس محبطاً منه فقط، بل إنه غاضب من أدائه، بما في ذلك تعيينه الهزلي لـ"عمير بيرتس" في منصب وزير الدفاع). أمّا البروفيسور "غابي بن دور"، رئيس "مركز دراسات الأمن القومي في جامعة حيفا" (المسؤول عن "مؤشرات مؤتمر هرتسليا")، فقد دعا بصورة مباشرة إلى استبدال القيادة الحالية في إسرائيل، لا على خلفية ما تمثله من أيديولوجيا، وإنما بسبب مواصفاتها السيئة، ولأن الشعب الإسرائيلي يستحق قيادة أفضل منها. ثم يضيف "المجتمع صحيّ لكن القيادة والنخب مريضة. المجتمع الصحيّ في مقدوره أن ينبت من بين صفوفه قيادة صحية، لكن المجتمع المريض ليس في وسعه أن يرمّم نفسه وقيادته". (أزمة القيادة تتفاعل.../ أنطوان شلحت، المشهد الإسرائيلي 25 يناير 2007). ويضرب "جدعون ليفي" مثلاً بأحد أهم الشخصيات المرشحة في مقال بعنوان "يعلق الإسرائيليون آمالهم مرة أخرى على جنرال وهذه المرة عامي أيلون" (هآرتس 18 مارس 2007)، فيبين أن التمعن في تصريحات "عامي إيلون" ومواقفه في السنوات الأخيرة يظهر صورة مُحيرة إن لم تكن مضطربة. من قال قبل عدة سنوات أنه لن يتوجه إلى السياسة أصبح اليوم مرشحاً لرئاسة الوزراء، ومن قال لصحيفة معاريف قبل ثلاث سنوات أن من المحظور وصول اليسار إلى الحكم، وأن اليسار لن ينجح في التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، لأن الليكود وحده هو القادر على إخلاء المستوطنات، فالمستوطنون–حسب تصوره- قد أحرزوا النصر للدولة، ولذا يكن لهم احتراماً عميقاً ويعتبرهم طليعة الصهيونية. لكنه هو نفسه قال لصحيفة هآرتس قبل سنة: أنا سأقوم بإخلاء 60 ألف مستوطن. "أيلون" الذي قال قبل سنة إن "عمير بيرتس" جدير قطعياً بأن يكون رئيساً للوزراء، لأنه يمتلك كافة المزايا للقيادة الوطنية، وقدرة غير عادية للصمود في مواقف الضغط، تحول إلى عدو لدود له قبل الحرب وفور عدم تعيينه وزيراً (من قبل بيرتس)."وما هو موقفه من المفاوضات مع حكومة الوحدة الفلسطينية؟ "أيلون" رد من خلال مستشارته الإعلامية بأنه يتوجب التطلع إلى التفاوض مع "أبومازن" المنتخب جماهيرياً، وكأن "حماس" ليست منتخبة من الجمهور الفلسطيني. ومقال "جدعون ليفي" مقال متميز، فهو لا يكتفي برصد ظاهرة فراغ القيادة وحسب، وإنما يرصد كذلك حالة التخبط والحيرة وانعدام الهدف والغاية التي تسم المجتمع الإسرائيلي في الوقت الحاضر. فيقول إن نجاح "أيلون" في استطلاعات الرأي يدل على ضياعنا ووضعنا أكثر مما يدل على وضعه هو. مرة أخرى يتجسد الأمل الوحيد القادم علىصورة جنرال ورئيس سابق لجهاز "الشاباك"، علىغرار مجريات الأمور في العالم الثالث. لن نصل إلى مسافة بعيدة إذا سرنا في طريق "أيلون المسدود هذا". كما أنه يحاول أن يصل للأسباب فيقول إنه "أيلون" الذي يحمل شهادة تدجين الحيوانات لا يكتفي بتدجين الثدييات المائية، وإنما يريد تدجين الفلسطينيين أيضاً. رجل الضفدع الغامض "أيلون" يقوم بطمس معالم مواقفه في موقعه على شبكة الانترنت، لدرجة لا يمكن فيها فهم الاتجاه الذي يسير فيه. لقد صرح قائلاً إنه لابد من البدء من خلال رؤية تفصل بين السيادة السياسية والسيطرة على الأرض. وأمس أوغل في مواقفه هذه قائلاً إنه لن يقوم بإخلاء أي تجمع سكاني في الجولان. هكذا يريد "أيلون" صنع السلام، ولم ينبس خلال ذلك ببنت شفة حول وحشية الاحتلال في المناطق وحقوق الإنسان أو المقاطعة الفاضحة المفروضة على الشعب الفلسطيني". وهذا هو مربط الفرس، إسرائيل دولة محتلة لأرض لا يتوقف أصحابها عن المقاومة، وبدلاً من رؤية الحقيقة العارية تقوم بالبطش بهم بكل الأسلحة التي لديها، ولكن لا توجد أي مؤشرات على أنهم ينوون الاستسلام. والله أعلم.