أربع سنوات مرت على احتلال القوات الأميركية وحلفائها للعراق. الأهداف المعلنة للعملية آنذاك: التخلص من "نظام الشر". إراحة المنطقة والعالم والشعب العراقي منه. إقامة الديمقراطية وتكريس الحرية. بداية مشروع شرق أوسطي جديد. التخلص من أسلحة الدمار الشامل. إسقاط العلاقة مع "القاعدة"ومحاسبة النظام المتعاون معها! قبل تقييم النتائج ومحاولة رسم جردة الحساب، أؤكد مجدداً، أنني لم أكن يوماً مع صدام حسين ونظامه، ولم أر فيه يوماً مثالاً يُحتذى في كل ما قام به داخل العراق، وفي حروبه وخصوصاً في غزوه للكويت. وفي العودة إلى نتائج الاحتلال يمكن تسجيل التالي: - فضيحة أميركية أدت الى اهتزاز بل سقوط صدقية وهيبة الإدارة الأميركية ومن ورائها المجتمع الدولي– أو تحالف الدول المؤيد لأميركا في الحرب ضد العراق– عند اكتشاف العالم أنه لم يكن في العراق أسلحة دمار شامل، وأنه لم يكن ثمة علاقة بين النظام العراقي و"القاعدة"، وبالتالي، فإن الحرب والاحتلال قاما على باطل! - استقالات في صفوف الإدارة الأميركية السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية واتهامات وفضائح. تبديد أموال. سوء إدارة. تعذيب فـــــي السجون. وانتهاكات حقوق الإنسان. - لا حرية ولا ديمقراطية ولا أمن ولا استقرار في العراق، بل فوضى وقتل وإجرام وإرهاب، وقمع ونهب، وسرقة وخطف وعمليات انتحارية تستهدف قتلاً جماعياً للمدنيين. ولا علاقة لكل هذا بـ"الشرق الأوسط الجديد" الموعود، ولا بالعراق الجديد. - لم يسقط النظام فقط ليقوم العراق. بل سقطت الدولة، ويسقط البلد كله اليوم، وهو يعيش خطر التفكك. - عند سقوط نظام صدام واعتقاله، وعند هدم تماثيله، كانت الفرحة عارمة واعتقد كثيرون أن الفرج آت. وعند إعدام صدام أظهروه بطلاً وشهيداً، وكانت الإدارة الأميركية مدانة. - أصدروا قراراً باجتثاث "البعث"، وهم يناقشون اليوم إعادة "البعثيين". - حلـّوا الجيش العراقي، وهم يعملون اليوم على إعادة كبار الضباط . - إتهموا الجماعات المسلحة كل الجماعات المسلحة بالإرهاب، بعد أن قالوا إن الحرب ستضع حداً للإرهاب. فإذا بالعراق مسرحاً للارهاب والارهابيين ومصدراً للارهابيين أيضاً، وإذا بأميركا وحلفائها في دائرة الاستهداف المباشر مع المدنيين العراقيين. ومع ذلك يعترفون اليوم بالحوار والانفتاح على عدد من هذه الجماعات لاستمالتها بعد فشل سياساتهم وخياراتهم وأساليبهم ووسائلهم. - رفضوا أي دور لدول الجوار، وتفردوا بكل شيء. حتى الدول الصديقة والمعتدلة، فكانت النتيجة أن الدول غير الصديقة، هي المستفيد، والتي تمارس دور الابتزاز ضد أميركا– إيران وسوريا– ويزداد نفوذهما وخطرهما كما يقول أميركيون وعراقيون. أما الدول الصديقة أو بعضها، فهي تنظر إلى العراق على أنه بلد محتل بشكل غير مشروع، وقد ضاق الجميع ذرعاً بالسياسات الأميركية المتهورة، كما يقول سياسيون ودبلوماسيون كبار هنا وهناك من المطلعين على خفايا هذه السياسة، وكواليس مراكز القرار التي تعلنها. - الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية "علي الدباغ"، يطالب العرب بمزيد من "التنسيق للحد من النفوذ الإيراني في العراق"، وبعض العرب، القريب والبعيد، يعتبر أن أميركا سلمت العراق لإيران، والأخيرة تركت أميركا تحتل وتغرق في المستنقع، وهي تمارس سياسة الابتزاز والضغط عليها، فتخلصت أميركا من نظام صدام، بل خلصت إيران منه. وتخلصت من أسلحة الدمار الشامل الوهمية، لترى أمامها أسلحة دمار حقيقيـة في إيران! وكذلك على المقلب السوري حيث تمارس سوريا الابتزاز الواضح ضد أميركا في إطار قواعد اللعبة بينهما لتصبح فاعلة أكثر مع نمو الارهاب وفتح الحدود. وكلما طلب منها شيئ لم يعجبها، قالت تُقفل حدوداً هنا ، وتُفتح حدوداً مع العراق، وليدخل منها من يشاء ولتتحمل أميركا المسؤولية! -بعد مؤتمر بغداد الأخير، بمشاركة سوريا وطهران، طهران "تتدلع" اليوم، وترسل إشارة بعدم استعدادها حضور مؤتمر شرم الشيخ، إلا بعد إطلاق سراح رجال مخابراتها المعتقلين في العراق، وذلك بعد مسرحية البحـّارة البريطانيين– الفضيحة البريطانية. -بات الشعب العراقي من أفقر شعوب المنطقة. وانتهت عملية إقتلاع صدام حسين باقتلاع مليوني عراقي من أرضهم، على الأقل باتوا لاجئين في عدد من عواصم الدول القريبة والبعيدة. وبدأت نتائج وآثار التهجير تظهر في كل تلك الدول: ارتفاع في الأسعار، وزحمة سير، مشكلات اجتماعية، وفقر و مشاكل إنسانية، وانعكاسات خطيرة ، وبلبلة في كل مكان . إنها أخطر حالة تهجير منذ نكبة فلسطين ولا حل في الأفق. - ثمة إفراغ حقيقي للعراق من طاقاته وإمكاناته بعد نهب موارده وثرواته، هجرة المبدعين والفنانين والأطباء والعلماء،بعد قتل عدد كبير منهم متفاقمة. كان في العراق 30000 طبيب على سبيل المثال، لم يبق منهم إلا 8000، والإخصائيون العراقيون في مجالات مختلفة كانوا لامعين مبدعين مميزين بمستواهم العلمي والمعرفي. - كان الهدف عراقاً واحداً قوياً ديمقراطياً كما قالوا، فأصبحنا أمام عراق مهدد بالتفكك على قواعد مذهبية وطائفية وعرقية، ينمو فيه الإرهاب والقتل والإجرام! - كثيرون من الذين هللوا لمجيء الأميركيين، باتوا اليوم ضدهم، ويعبتّرون بأشكال مختلفة. وآخر مظاهر التعبير تجسدت في عمليات حرق الأعلام الأميركية في كل مكان، ورفع الأعلام العراقية مع اختلاف العراقيين بين بعضهم البعض على كثير من الأمور. - ثمة قلق كبير من السياسة الأميركية في المنطقة. - أميركا تقول إنها تخشى إيران ودورها ودعمها للحركات الأصولية والارهابية وتمددها. ولكن ماذا فعلت أميركا وكيف واجهت ؟ عندما ساهمت في إسقاط الإتحاد السوفييتي استفادت إيران. وعندما ساهمت في إسقاط "طالبان" ساهمت إيران معها واستفادت منها ثم تركتها تغرق. وعندما أسقطت نظام صدام، تركتها تغرق وتغرق واستفادت هي من كل شيئ! كل شيئ تمّ لمصلحة إيران، ولا تجد من يقف ويقيـّم ويفكـّر بل مكابرة وهروب إلى الأمام وخيارات لا تؤدي إلى علاجات. المنطقة كلها في وضع خطير جداً، والعراق نقطة انطلاق الخطر الشامل . وإلى جانب الموضوع العراقي، ثمة الملف النووي الإيراني، والقضية المركزية الفلسطينية، ولبنان وإيران في كل مكان، وإلى جانبها سوريا. وأميركا تتأرجح بين انفتاح وتعاون وإقرار بواقع أو خطوات جدية تضع حداً لكل ما يجري وتنطلق من قراءة مختلفة للواقع. "الديمقراطيون" يقولون في أميركا: لا بد من الانسحاب من العراق. احتلاله كان خطأ وعزز سياسات الآخرين. و"الجمهوريون" يقولون: الانسحاب خطأ ويعزز السياسات الإيرانية. هؤلاء وأولئك عززوا تلك السياسات. هل من مراجعة؟ من يجريها؟ متى؟ وكيف؟