واأسفي على الرئيس بوش المسكين! فهو لم يكن له من هدف سوى إلحاق هزيمة ماحقة بالإرهابيين ونشر الديمقراطية. انظر إليه وقد تورط حتى أذنيه الآن، في عراكه مع خصومه "الديمقراطيين" من جهة، وفي تواتر الأنباء السيئة التي تصله من كل حدب وصوب. فها هي الأخبار المشينة تتواتر عن إهمال الجيش وتقصيره في رعاية جرحى ومصابي حربه على العراق. والمعروف أن كثيراً من الجنود الذين لم يقتلوا أو يصابوا هناك، قد مددت فترة بقائهم في المهام التي ابتعثوا من أجلها. ولم يتوفر لهم من الأسلحة والعتاد الحربي، إلا ما شارف منها على انتهاء عمره الافتراضي، أو ما يقارب ذلك. وحين أرسل الرئيس مزيداً من المقاتلين إلى هناك، فهو لم يختر من بين الجنود إلا أقلهم تدريباً وخبرة في فنون الحرب والقتال. وكان القصد من هذه التعزيزات إخماد نيران العنف المتأججة في العراق، إلا أن الذي حدث هو أنها ازدادت تأججاً واشتعالاً. ثم أقدمت وزارة الدفاع الأميركية للتو، على فصل ثمانية من ممثلي الادعاء، ولم تتمكن بعد من تقديم تبرير مقنع للدوافع التي صدر بموجبها ذلك القرار. والسؤال الذي لا يزال عالقاً دون إجابة حتى الآن: هل كانت الوزارة هي مصدر وأصل ذلك القرار، أم أنه صادر في الأساس عن البيت الأبيض؟ إلى ذلك ثبتت إدارة وكالة المخابرات المركزية الأميركية، لعدة سجون في الخارج، لا تزال بعيدة وخارجة على القانون الأميركي. وكما نعلم فقد ألقي القبض على عدد من جنودنا وهم يسيئون معاملة السجناء في سجن "أبوغريب". كما بنت الولايات المتحدة لها سجناً في خليج "جوانتانامو"، قيل إن للرئيس مطلق الحق في أن يفعل فيه ما يشاء. ولما كانت المحن والفضائح لا تأتي فرادى، فقد أدين للتو "لويس ليبي" رئيس موظفي مكتب نائب الرئيس سابقاً، على إدلائه بمعلومات مضللة، فيما يتصل بتوقيت وكيفية معرفته بتفاصيل الهوية السرية لـ"فاليري بليم"، الضابطة بوكالة المخابرات المركزية. وليس ذلك فحسب، بل لقد تزامنت زيارة الرئيس بوش إلى الأوروجواي، مع زيارة خصمه الفينزويلي هوجو شافيز إلى الأرجنتين، حيث نظم هناك مظاهرات معادية لأميركا. وإلى جانب ذلك كله، فقد ثبت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد بعث بعدة طلبات لاستصدار أذونات تفتيش بنيت على معلومات غير دقيقة. وهكذا تستمر القائمة إلى ما لا نهاية. وغني عن القول إن بعضها، لا يعدو كونه إحراجاً سياسياً للإدارة والرئيس. على أن الأخطاء المنسوبة لكل من "السي آي إيه" و"إف بي آي" هي الأكثر خطراً من غيرها. والسبب هو انتهاكها لقداسة القيم الأميركية الراسخة، المنصوص عليها في الدستور. وبذلك، فقد محت تلك الممارسات الخاطئة، الفارق الجوهري بين أميركا وأعدائها الإرهابيين. وهذا أحد أهم الأسباب وراء خسارتنا للحرب على الإرهاب. والحقيقة أن سلوك مكتب التحقيقات الفيدرالي، إنما يعكس تلك الثقافة التي أرساها مؤسسه "جي إدجار هوفر" الذي وصفه "دين رسك" وزير الخارجية الأسبق، بأنه "لم يسبق له مطلقاً أن تلقى تعليماته من المدعي العام، وقلما تلقاها من الرئيس، بينما لم يتلقها إلا نادراً جداً من الرب نفسه"! وليس أقرب للتدليل على هذه الحقيقة، من المضايقة التي سببها المكتب لـ"لجنة التضامن مع شعب السلفادور" أثناء فضيحة "إيران- كونترا" الشهيرة في ثمانينيات القرن الماضي. وكانت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، قد رفعت تقريراً قالت فيه إن مكتب التحقيقات الفيدرالي، قد أجرى 178 تحقيقاً مع أشخاص لهم علاقة بـ"لجنة التضامن مع شعب السلفادور". وأضاف التقرير أن تلك التحقيقات قد أسفرت عن إعداد ملفات عن 1330 مجموعة و2375 شخصية. والذي حدث هو انضمام السيناتور ويليام كوهين، الذي كان عضو أقلية في لجنة الاستخبارات المذكورة، إلى المطالبين، في عام 1989، بأن يبيد مكتب التحقيقات الفيدرالي تلك الملفات. لكن وبدلاً من ذلك، قرر المكتب إرسال تلك الملفات إلى الأرشيف القومي. وليس ذلك فحسب، بل لقد توصل قاض فيدرالي إلى أن المكتب واصل تحقيقاته مع عناصر وأعضاء "لجنة التضامن مع شعب السلفادور" رغم الأمر الصادر له بوقف التحقيقات منذ عام 1985. وتحت قبة البرلمان، واصل كل من مجلسي النواب والشيوخ، انقضاضه على سياسات الرئيس بوش في العراق. وكان بوش قد تولى منصبه في البيت الأبيض وهو يحمل معه الكثير من الأوهام حول سلطات وصلاحيات الرئيس، بوصفه قائداً أعلى للقوات المسلحة، وفق ما نص عليه الدستور الأميركي. ثم كان من هجمات 11/9 أن وفرت له فرصة لتوسيع هذه الصلاحيات والسلطات. وبينما كان "الجمهوريون" في الكونجرس على درجة من التراخي والتهاون مع هذا التوسع الرئاسي، فها قد جاء "الديمقراطيون" ليعلنوا للرئيس أن صلاحياته تقف في حدود كونه قائداً أعلى للجيش فحسب، وليس كذلك للبلاد قاطبة. وفي المقابل فإن للكونجرس عدة صلاحيات وسلطات نافذة، بما فيها سلطات زيادة عدد المقاتلين ودعم الجيش، وسلطات تنظيم وضبط القوات البحرية. وقد أحدثت كل هذه الصلاحيات، بما فيها صلاحية الكونجرس في إعلان الحرب، تعديلات كبيرة على دور الرئيس باعتباره قائداً أعلى للجيش. وليذكر الرئيس بوش، أن صلاحيات الكونجرس تتضمن كذلك السيطرة على "محفظة النقود" وهذه الأخيرة بالذات، هي التي وضعت حداً لحربنا على فيتنام من قبل. وما لم يعد بوش النظر في مجمل سياساته هذه، لاسيما حفظ التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فربما تمخضت تركته الرئاسية، عن حرب خاسرة وحكومة خائبة، لا أكثر! بات إم هولت رئيس سابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"