مقامرة بوش تتواصل في العراق... ومهلة للدبلوماسية في دارفور المشهد في العراق بعد أربع سنوات على احتلاله، وانتكاسة لسياسة واشنطن الخاصة بزيادة القوات في بغداد، وأميركا بددت فرصة فرض الاستقرار في الصومال، ومهلة للدبلوماسية في دارفور... موضوعات نعرض لها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الأميركية. أربع سنوات على احتلال العراق: خصصت "نيويورك تايمز" افتتاحيتها ليوم الخميس الماضي لرصد المشهد العراقي بعد مرور أربع سنوات على سقوط بغداد. المشهد يتضمن أرقاماً غير معروفة عن ضحايا "فرق الموت" والقنابل الانتحارية. الصحيفة ترى أنه رغم تلاشي الآثار السيئة لسجن "أبو غريب"، فإنه لا يزال عدد قليل من العراقيين ينظرون إلى الجنود الأميركيين كمحررين، بل إن آلافاً من العراقيين في النجف تظاهروا أثناء الذكرى الرابعة لاحتلال بلادهم، وحرقوا الأعلام الأميركية، ورددوا شعار "الموت لأميركا". ورغم ذلك لا يزال الرئيس بوش يقامر برؤيته القائمة على فرضية مفادها أن زيادة عدد القوات الأميركية في بغداد ستضمن الهدوء في العاصمة العراقية، وأن رئيس الوزراء "نوري المالكي"سيقوم دون أية ضغوط أميركية باتخاذ خطوات نحو توسيع نطاق المشاركة السياسية وتوزيع الموارد الاقتصادية، وهما أمران يصر على رفضهما منذ وصوله إلى منصبه قبل عام. وما لم يقدم المالكي على هذه الخطوات ويطهر الجيش والشرطة العراقيين من "فرق الموت"، ويعيد النظر في القوانين التي تقلل الفرص السياسية والاقتصادية للطبقة الوسطى السُّنية، فإن العراق لن ينعم بأمن دائم وسيفقد الأميركيون والعراقيون مزيداً من الأرواح. بعد أربع سنوات من الاحتلال، لا يزال المناخ السياسي في بلاد الرافدين غير مشجع، فليس ثمة انتصار ممكن ونافذة الأمل لا تزال صغيرة جداً. وتحت عنوان "الغناء بلحن واحد في العراق"، عنونت "كريستيان ساينس مونيتور" افتتاحيتها يوم أمس الجمعة، لتتوصل إلى استنتاج مفاده أن العراقيين توحدوا في تأييدهم للمغنية الشابة "شذى حسون" التي فازت في برنامج تليفزيوني عربي -"ستار أكاديمي"-، فخلال ثلاثة شهور هي مدة المسابقة التي يطرحها البرنامج لاختيار أفضل المغنين، رفضت "شذى" تعريف نفسها للعراقيين كسُنية أو شيعية، وفي لحظة إعلان فوزها، رفعت العلم العراقي وحيَّت ملايين العراقيين بصفتها "بنت الرافدين". الصحيفة اقترحت على الكونجرس "الديمقراطي" والإدارة الأميركية الاستفادة من تجربة "شذى" في توحيد العراقيين، واتخاذ مواقف موحدة تجاه القضايا الجدلية الخاصة بتمويل الحرب أو الانسحاب من العراق، خاصة وأن البيت الأبيض سيجري في 18 أبريل الجاري لقاء مع النواب "الديمقراطيين" لمناقشة هذه القضايا. الصحيفة التي اقترحت دعوة "شذى" لحضور اللقاء المرتقب بين إدارة بوش والنواب "الديمقراطيين"، رأت أنه من غير المحتمل قيام البيت الأبيض بقبول هذا المقترح، لكن هذه الشابة العراقية قادرة على توضيح الطريقة، التي يتعين على بوش و"الديمقراطيين" العمل بها سوياً في العراق. "انتكاسة لزيادة عدد القوات؟": بهذه العبارة عرضت "لوس أنجلوس تايمز" في افتتاحيتها يوم أمس، مشاهد تعكس التدهور الأمني في العراق، والذي تبدى بوضوح في تفجير جسر بسيارة مفخخة داخل بغداد، ووقوع تفجير انتحاري يوم الخميس الماضي داخل كافيتريا البرلمان العراقي. الصحيفة ترى أن هذين الحادثين لا يشيران فقط إلى هشاشة الوضع الأمني، بل إلى الفشل في تأمين العاصمة العراقية، وهو ما يجعل البعض يسردون مقارنات بين ما جرى في بغداد خلال الأيام الأخيرة وهجوم "تيت" عام 1968، الذي نفذته عناصر فيتنامية ضد السفارة الأميركية في "سايجون". كما أن هذين الحادثين يثيران انتقادات من يعتقدون أن القوات الأميركية يتم نشرها بلا جدوى أو استناداً إلى أسباب عبثية. "الصومال ينهار مجدداً": هكذا عنونت "واشنطن بوست" افتتاحيتها يوم الثلاثاء الماضي، مشيرة إلى أن نهاية العام الماضي حملت معها فرصة لإحلال الاستقرار في الصومال، البلد الفاشل في القرن الأفريقي، الذي أصبح ملاذاً لعناصر من تنظيم "القاعدة" وعناصر متطرفة أخرى. فبمساعدة الولايات المتحدة، شنت القوات الإثيوبية هجوماً أطاح بالحكومة الصومالية التي كانت مسيطرة على العاصمة مقديشو، وعلى نصف الجنوب الصومالي، وهي حكومة كانت أشبه بنظام "طالبان" الأفغاني. الحكومة الانتقالية التي تحظي بدعم الأمم المتحدة سيطرت على الموقف، وفي غضون ذلك كانت هناك مساعٍ دبلوماسية لنشر قوات حفظ سلام أفريقية لتحل محل القوات الإثيوبية. بعد ثلاثة شهور تلاشت على ما يبدو فرصة فرض الاستقرار في الصومال، حيث اندلعت المواجهات في العاصمة مقديشو منذ نهاية الشهر الماضي، وأعاد "الإسلاميون" رص صفوفهم وحشد حلفائهم ضد القوات الإثيوبية التي فشلت في الانسحاب، والنتيجة، حسب الأمم المتحدة، مقتل المئات ونزوح قرابة 100 ألف من مقديشو خلال الشهور الثلاثة الماضية. لقد وصل إلى الصومال 1200 جندي من أصل 8000 جندي هم قوام القوة الدولية المفترضة، وهؤلاء يحرسون المطار والموانئ. ومن جديد تهدد الفوضى الصومال الذي لم يشهد حكومة مستقرة منذ عام 1991. صحيح أن الأزمة الصومالية معقدة، لكن بعض اللوم يقع على الأطراف الخارجية، فالدول الأفريقية كنيجيريا وجنوب أفريقيا، فشلت في المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية، ولم تشارك دول أفريقية في هذه القوات باستثناء أوغندا، فيما قدمت أريتريا العدو اللدود لإثيوبيا الدعم للميليشيات الإسلامية في الصومال، الأمر الذي يجب أن تضعه الولايات المتحدة والدول الأوروبية في اعتبارها وتفرض عقوبات على أسمرة. أميركا وأوروبا فشلتا في استغلال نفوذهما من أجل حشد قوات حفظ سلام داخل الصومال، وفشلتا في الضغط على الحكومة الصومالية الانتقالية، كي توقف هذه الأخيرة عن عقد صفقات مع المجموعات الصومالية غير الممثلة في الحكومة، وبخاصة عشيرة "الهوية" التي تحالفت مع الإسلاميين. يوم السبت الماضي، أوفدت إدارة بوش "جينداي فريزر" مساعدة وزيرة الخارجية إلى الصومال، لتلتقي رئيسها ورئيس وزرائها للمرة الأولى، وترسل رسالة واضحة هي ضرورة التمسك بوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية، وبناء على ذلك تعهدت إدارة بوش بتقديم 240 مليون دولار كمساعدات للصومال، وطالبت الكونجرس بالموافقة على 60 مليون دولار أخرى للغرض ذاته. "موعد نهائي من أجل دارفور": يوم الخميس الماضي، نشرت "لوس أنجلوس تايمز" افتتاحية رأت خلالها أن ثمة تطورات جديدة في أزمة دارفور منها أن حكومة الخرطوم تراجعت عن رفضها نشر قوات أممية في الإقليم قوامها 3 آلاف جندي، في موقف مغاير لموقفها قبل شهر. لكن يبقى ثمة تساؤل معلق حول ما إذا كانت موافقة السودان على نشر قوات أممية إضافية في الإقليم تأتي كمحاولة لتثبيت اتفاق نوفمبر الذي يسمح بنشر 22 ألف جندي أفريقي وأممي في دارفور. وعلى أية حال، من غير المحتمل أن تكون هذه القوات الإضافية كافية لحماية ملايين من سكان الإقليم أو حماية 13 ألفاً من عمال الإغاثة المحاصرين داخله. "أندريو ناتسيوس" مبعوث الرئيس بوش لدارفور، أخبر مجلس "الشيوخ" الأميركي يوم الأربعاء الماضي بأن واشنطن وافقت على طلب أمين عام الأمم المتحدة بتأجيل فرض عقوبات اقتصادية أكثر قسوة على السودان لمدة تتراوح ما بين 2 إلى أربعة أسابيع كي تكون ثمة فرصة لتوظيف الدبلوماسية في حل الأزمة، أملاً في أن تنجح الأمم المتحدة في التوسط بين 15 فصيلاً داخل دارفور والحكومة السودانية. صحيح أن مهلةً تقارب الشهر ليست طويلة، لكن سكان دارفور لا يستطيعون الانتظار لمهلة أطول، وعندما تنتهي المهلة، فإن على إدارة بوش الاستعداد لفرض عقوبات اقتصادية صارمة على الخرطوم وهي العقوبات التي هددت واشنطن بتفعيلها قبل أربعة أشهر. إعداد: طه حسيب