حاول محمد الباهلي في مقاله الأخير على هذه الصفحات "اللغة العربية وخطر ضياع الهوية الوطنية"، أن يثبت العلاقة العضوية بين اللغة والهوية، باعتبار أن الأولى تمثل مقوماً جوهرياً للثانية، وأن الثانية تشكل الوعاء الذي يحفظ الأولى. لاشك في ذلك، والأمثلة كثيرة على هويات ضاعت بسبب ضياع اللغة القومية لأصحابها، كما أن الحفاظ على اللغة كان دائماً في صدارة المشاريع الرامية إلى استنهاض وإحياء الهوية المهددة. العلاقة بين اللغة والهوية علاقة حقيقية إذن؛ يثبتها العلم وتدلل عليها وقائع التاريخ وحقائق الاجتماع البشري. لكنني لست مع الكاتب فيما يساوره من مخاوف على اللغة العربية ومصيرها إزاء ما تحمله لها اللغات الأجنبية من تهديد في عقر دارها. بل أعتقد أنه كلما ربينا أجيالاً ذات مستوى علمي جيد، مسلحة بلغات أجنبية حية، كلما كان ذلك في صالح اللغة العربية، والتي ستغتني -في هذه الحالة- من خلال أبنائها الذين زادت معارفهم وخبراتهم وتمرنت ملكاتهم الإبداعية، ومن ثم أصبحوا مؤهلين لإبداع وإضافة وترجمة مصطلحات وأفكار وأساليب جديدة تثري لغتهم القومية وتجعلها أكثر انفتاحاً وقابلية للتطور واستيعاب المستجدات العصرية. وإذا كان الكاتب يحاول إسناد مخاوفه (وهي مشروعة بطبيعة الحال) إلى دراسات علمية وتربوية، فإنني أريد طمأنته بالإشارة إلى أن تلك الدراسات أثبتت أيضاً أنه لا يمكننا الاستعاضة عن اللغة الأم بلغة أخرى، مهما كانت درجة استيعابنا لها. سعيد عثمان - أبوظبي