في خطاب نادر لزعيم صيني أمام البرلمان الياباني، تعهد رئيس الوزراء "وين جياباو" يوم الخميس الماضي بعلاقات صداقة مع اليابان، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة أن تقرن طوكيو اعتذاراتها السابقة عن الاعتداءات التي ارتكبها عسكريون يابانيون في الصين زمن الحرب العالمية الثانية بأفعال ملموسة على أرض الواقع. وفي هذا الإطار، قال "وين" إن زيارته التي استغرقت ثلاثة أيام إلى اليابان، ترمي إلى "تذويب الجليد" الذي يعتري العلاقات بين البلدين اللذين دخلا خلال السنوات الأخيرة في خلاف حول استغلال الموارد الطبيعية، والزعامة في شرق آسيا، وماضي اليابان العسكري في الصين. ومن جانبهم، أشاد الزعماء اليابانيون بخطاب "وين"، الذي يُعد الأول من نوعه الذي يلقيه زعيم صيني أمام البرلمان منذ 22 عاماً؛ حيث وصف رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" زيارة "وين" بأنها "خطوة كبيرة إلى الأمام". في خطابه الذي بُث على الهواء مباشرة في البلدين، قال "وين" إن الاقتصادين الصيني والياباني "يُكمل أحدهما الآخر ويتوفران على إمكانية كبيرة للتعاون". كما شكراليابان على ما قدمته للصين من "دعم ومساعدة" من أجل إصلاحها وتحديثها، وذلك في رد ضمني على المسؤولين اليابانيين الذين كانوا يشتكون من قبل من أن بكين تقلل من شأن المساعدات الكبيرة التي قدمتها اليابان للصين خلال العقدين الأخيرين. وتعد زيارة "وين" الأولى من نوعها التي يقوم بها زعيم صيني إلى اليابان منذ سبع سنوات؛ كما تأتي في أعقاب زيارة مماثلة قام بها "آبي" إلى الصين الخريف الماضي بهدف إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين. ومما يذكر في هذا السياق أن الزعماء الصينيين كانوا يرفضون، قبل هذه الزيارة، القدوم إلى طوكيو بسبب زيارات رئيس الوزراء السابق السنوية إلى ضريح "ياسوكوني"، الذي يضم نصباً تذكاريا يمجد قتلى الحرب اليابانيين ومن بينهم 14 مجرم حرب من الحرب العالمية الثانية. والواقع أن البلدين بذلا جهوداً كبيرة من أجل تحسين العلاقات الثنائية، بالرغم من أنه لم يسجل أي تقدم على صعيد أكثر المواضيع إثارة للخلاف، ومن ذلك زيارة ضريح "ياسوكوني"، وحقول الغاز والنفط المتنازع عليها في بحر الصين الشرقية، والتوجسات المتبادلة من طموحات البلدين العسكرية. وقد كانت الحكومة اليابانية تتطلع كثيراً لزيارة "وين"، وخصوصاً منذ أن شكَّل نجاحُ "آبي" في نزع فتيل التوتر مع الصين واحداً من الإنجازات القليلة التي حققها خلال فترة نصف العام منذ وصوله إلى السلطة. ويُذكر هنا أن شعبية "آبي" ما فتئت تتراجع بسبب عدد من الفضائح التي تلاحق حكومته، وما يعتبره البعض زعامة ضعيفة من جانبه. ومن الأرجح أن يكون مضيفو "وين" قد شعروا بارتياح كبير، لأنه لم يأتِ على ذكر ضريح "ياسوكوني" أو إنكار "آبي" مؤخرا لقيام الجنود اليابانيين باستعباد نساء آسيويات– الكثير منهن صينيات- من أجل الجنس خلال الحرب العالمية الثانية؛ حيث أشار الزعيم الصيني إلى المشاكل المرتبطة بالتاريخ التي كانت من أسباب الخلافات بين البلدين، إلا أنه تحاشى توجيه التهم التي رافقت زيارة الرئيس الصيني السابق "جيانج زيمين" إلى اليابان في 1998. وفي هذا الإطار، قال "وين" أمام البرلمان: "لقد أعرب الزعماء اليابانيون والحكومة اليابانية مرات كثيرة عن موقفهم من المشاكل المتصلة بالتاريخ، واعترفوا علنا بغزوهم، وعبَّروا عن ندمهم وأسفهم الكبيرين للبلدان التي كانت ضحية لهذه الأعمال. وذاك أمر تقدره الحكومة والشعب الصينيان وتنظران إليه نظرة إيجابية". ولكنه أضاف: "إننا نأمل صادقين أن تُظهر اليابان المواقف التي عبرت عنها والعهود التي قطعتها على نفسها بطرق ملموسة". ويبدو أن ذلك تحذير واضح لـ"آبي" من زيارة ضريح "ياسوكوني"، وهو انطباع تعزز أكثر عندما قال "وين" إن "حفنة من العسكريين فقط" في اليابان هي التي كانت مسؤولة عن الحرب في الصين، وإن اليابانيين، وعلى غرار الصينيين، كانوا "ضحايا للحرب". وكان "وين" يكرر قراءةً للحرب تبنتها بكين عندما بدأت في تطبيع علاقاتها مع اليابان في أوائل السبعينيات حيث كانت تعتقد أن طوكيو تشترك معها فيها. غير أن ضم ضريح "ياسوكوني" لاحقاً لقادة الحرب الكبار نسف هذه القراءة. وقد قام "وين" صباح الخميس الماضي بتمرينات رياضية في حديقة "يويوجي"، وهو ما فاجأ المارة، قبل أن ينضم إلى مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يمارسون رياضة "تاي تشي" الصينية. وبعد الزوال، التقى برجال أعمال يابانيين وحثهم على الاستثمار في الصين التي تُمثل أول شريك تجاري لليابان. نوريميتسو أونيشي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل "نيويورك تايمز" في طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"