الإرهاب نتيجة طبيعية للتطرف والمغالاة في الدين، فالعمليات الانتحارية الأخيرة في كل من المغرب والجزائر، واستمرارها في العراق بشكل أكثر عنفاً وتدميراً تدفع الإنسان العربي لمحاولة فهم ودراسة التطرف السياسي الديني ومحاولة تشريح ما يقوم به المتطرفون من أعمال تؤدي ليس فقط إلى قتل أنفسهم فقط بل قتل المئات والآلاف من الناس الأبرياء... لابد من وجود خلل وعجز في تفكير المتطرف دفعه للعدوان على الآخرين بشكل تدميري. والسؤال هو: من هيأ البيئة الملائمة لانتشار هذا التطرف والإرهاب؟ فالإرهابيون في كل أرجاء الوطن العربي يجمعهم هدف واحد مشترك هو كراهيتهم للإنسانية ولمجتمعاتهم، وكرههم للحرية. فالإرهابيون في الجزائر الذين استهدفوا المؤسسات الحكومية والأمنية لا يختلفون عن الإرهابيين في المغرب والعراق... والإرهابيون الذين يستهدفون دور العبادة في كل من باكستان وأفغانستان لا يختلفون عمن يهاجم الكنائس، والمساجد السنية والشيعية في العراق ...ومن هاجم السياح الأبرياء من الأجانب في السعودية لا يختلف عمن هاجمهم في تونس ومصر والمغرب... فكل هؤلاء هدفهم الأساسي هو خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم كله. فهم يستهدفون ليس فقط الحكومات كما يدعون، بل يستهدفون الشعوب البريئة في كل أرجاء الأمة العربية. ما يريده ويطمح إليه الإرهابيون من التيارات الدينية هو خلق "ثقافة الخوف" في الوطن العربي، مما يدفع بالمواطنين إلى تبني وقبول كل الإجراءات التعسفية التي قد تتخذها الحكومات العربية ضد الإرهابيين وتطال شعوبها تحت بند محاربة ومكافحة الإرهاب... كل هذه العمليات الإرهابية قد حدثت في الوقت الذي باشرت فيه الحكومات العربية باتخاذ إجراءات أمنية مشددة وأنفقت الملايين بل المليارات من الدولارات من أجل مكافحة الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر المؤلمة. علينا كعرب أن نعترف وننقد ذاتنا لأننا فشلنا في حربنا ضد التطرف والإرهاب... لقد فشلنا في قبول المقترحات الغربية التي نصحتنا بأن نجري تغييرات جذرية في بلداننا العربية ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، والأهم من كل ذلك أن تكون أبعاد تربوية وتعليمية وثقافية... لكن الأنظمة العربية وشعوبها هبَّت كلها ضد المطالب الغربية الداعية إلى الإصلاح بكل أبعاده وأهمية تغيير المناهج التربوية وإعادة النظر فيها... ماذا قلنا للغرب؟ قلنا له إن لدينا عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا وإننا سنقوم بتغيير واقعنا حسب فهمنا له؟ كل المراجعات والمحاولات التي دعت إليها الحكومات العربية المختلفة للحوار والنقاش مع القوى المتطرفة فشلت ولم تؤدِّ غرضها... تبني العديد من الدول العربية ومنها دول الخليج العربية للحوار والنقاش وطرح ثقافة التسامح والاعتدال ونشر الوسطية كلها باءت بالفشل والدليل على ذلك هو انفجار الأوضاع الإرهابية من المغرب إلى اليمن... علينا أن نعترف بأننا فشلنا في إيجاد بيئة رافضة للتعصب الديني والمذهبي. لقد فشلنا في تبني مفاهيم الاعتدال والوسطية، ففي الكويت مثلاً أنفقت الحكومة الكويتية الملايين من الدنانير للترويج للوسطية والاعتدال لكن ذلك لم يمنع جماعات الإسلام السياسي من الانتشار والتوسع، وقد احتفلت هذه الجماعات قبل أسبوعين بعودة "الجهاديين" الكويتيين من سجون جوانتانامو... طوال الأعوام السابقة كانت جماعات الإسلام السياسي تردد بأن هؤلاء شباب مسلم تطوع للعمل الخيري في أفغانستان، لكن تم اعتقالهم جوراً في جبال "تورا بورا"! الطريف أن الحكومة الكويتية صدقت رواياتهم السابقة... ولزمت الصمت عند احتفالهم بعودة "الجهاديين". إن التطرف والإرهاب في الوطن العربي سيستمر ما دمنا لم نعالج الاستخدام السياسي والانتهازي والنفعي للدين. د. شملان يوسف العيسى