في لقاء إذاعي أجري معه في إذاعة "رش ليمبو"، تحدث نائب الرئيس الأميركي "ديك تشيني" عن الإرهابي الأردني القتيل، أبومصعب الزرقاوي، وذكر ما مفاده: (لقد ذهب الزرقاوي إلى بغداد وأقام فيها قبل غزونا للعراق، وانهمك في تنظيم وترتيب عمليات تنظيم "القاعدة" فيها. وكما قلت فإن هذا الذي نرى في العراق الآن، هو نشاط وعمليات تنظيم "القاعدة"، الذي سبقنا سلفاً إلى العاصمة بغداد). وفي التعليق على هذا القول، فإن المرء ليندهش حقاً إزاء محاولة نائب الرئيس إقناع الرأي العام الأميركي، بوجود صلة لنظام صدام حسين السابق، بتنظيم "القاعدة"، على رغم مرور أربع سنوات على غزونا للعراق. فما وجود الزرقاوي قبل الغزو هناك -كما أشار "تشيني"- سوى دليل جديد على وجود تلك الصلة المزعومة. وهو لم يقل ذلك صراحة، إلا أن القصد الخفي من تلميحاته، هو إثارة ضباب كثيف حول الخط الفاصل بين نظام صدام حسين وتنظيم "القاعدة"، في مسعى جديد منه لتبرير الحرب. ولكن مأساة "تشيني" أنه ليس ثمة أدلة داعمة لهذا الزعم على أرض الواقع، ولا معلومات استخباراتية جمعتها أجهزتنا عنه قبل الغزو. واليوم فإن الجميع يكاد يعترف بهذه الحقيقة عدا نائب الرئيس "ديك تشيني" فيما يبدو! ففي سبتمبر الماضي على سبيل المثال، خلصت اللجنة الاستخبارية التابعة لمجلس "الشيوخ"، في تقرير ثنائي حزبي لها، إلى أن صدام حسين لم يكن يثق في تنظيم "القاعدة"، ورأى في المتطرفين الإسلاميين خطراً على نظامه. ولذلك فقد أصر على رفضه لكل المناشدات التي وجهها إليه تنظيم "القاعدة"، بمده بما يلزم من مواد أو دعم عسكري عملياتي. أما وكالة الاستخبارات المركزية، فتوصلت من جانبها في تقرير لها يعود إلى أكتوبر من عام 2005 –أي قبل عام كامل من التقرير الثنائي الحزبي المذكور أعلاه- إلى أنه لم تكن هناك صلة بين نظام صدام حسين، وأبو مصعب الزرقاوي. بل ذهب التقرير إلى القول إن النظام لم يأو الزرقاوي ولم يتظاهر بغض الطرف عن وجوده وأتباعه في بغداد. وفي ذات الوقت لاحظ التقرير الصادر عن اللجنة الاستخبارية التابعة لمجلس "الشيوخ"، أن الاستخبارات العراقية سعت لإلقاء القبض عليه، على رغم تنكره تحت اسم مستعار. وبعد، فهل لا يزال نائب الرئيس على عزمه على تجاهل كل ما أكدته وتوصلت إليه الأجهزة الحكومية الأخرى؟ أم أن له من المعلومات الخاصة، ما قرر حجبه عنا؟ وإن كان الأمر كذلك، فإن عليه أن يأتي إلينا بتلك المعلومات. والحقيقة أن لـ"ديك تشيني" سجلاً موثقاً من المغالاة المتعمدة في تقييم أو إساءة فهم المعلومات المتعلقة بالعراق. وضمن ذلك، فهو لا يزال مثلاً على اعتقاده الشخصي الراسخ، بأنه ربما التقى محمد عطا، أحد أبرز إرهابيي 11/9 بعميل عراقي ما في "براغ". وقد ظل هذا الاعتقاد راسخاً لديه، على رغم مضي عدة سنوات بعد توصل الأجهزة والوكالات الاستخبارية الأميركية إلى نقيض هذه المعلومة. وللتذكير مجدداً، فإن الهدف وراء كل هذا الإصرار، هو إيجاد صلة ما بين هجمات 11/9 والنظام العراقي السابق، على رغم قناعة العالم كله بانتفاء صلة كهذه. لذلك فقد كان طبيعياً أن يندهش المجتمع الأميركي كله، وهو يستمع إلى نائب رئيسه وهو يلقي بتصريحات رعناء وزائفة بكل ذاك الحد. وليس من عجب إذن، أن يكف الشعب الأميركي عن تصديق رجل كان قد بشرنا قبيل الغزو بأنه سيُستقبل جنودنا المحتلون الغزاة، استقبال المحررين الأبطال، ولا يزال يصر على أن التمرد العراقي بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، قبل عامين من الآن! غير أن ما يجب قوله هنا، هو أن صدور مثل هذه التصريحات من قبل نائب الرئيس، إنما يذهب بمصداقيتنا جميعاً كأمة في نظر العالم قاطبة. وغني عن القول إن ضرراً فادحاً قد لحق بسمعتنا سلفاً، بسبب هرولتنا باتجاه بغداد، دون مبررات موثقة أكيدة لغزو العراق، ودون توفر التأييد العالمي اللازم لحربنا تلك. وفيما لو تفاقمت الأزمة النووية الإيرانية خلال الأشهر القليلة المقبلة، واحتجنا للحصول على دعم العالم لنا في مواجهتنا مع طهران، فربما لن تجد إدارة يلقي قادتها بالأكاذيب دون أن يطرف لهم جفن، من يصغي إلى ما تقوله! والغريب في الأمر، أن "ديك تشيني" لا يزال يعد بين "أقوى" نواب الرؤساء على امتداد تاريخنا السياسي الحديث، بحكم ما أوتي من سلطات وصلاحيات نافذة في الإدارة الحالية. فكيف له أن يظل محتفظاً بكل هذه السلطات، وهو يفتقر إلى المصداقية فيما يقول؟! كارل ليفن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سيناتور "ديمقراطي" ورئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس "الشيوخ" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"