يظلّ ملف العمالة، بكل ما يحتويه، من أهم الملفات المطروقة على الساحة المحلية إعلامياً ورسمياً. ورغم الجهود الأخيرة لوزارة العمل لإعادة الانضباط لسوق العمل، فإن هذا الملف المتشعِّب يطلّ من حين لآخر بثغرات جديدة أو متجدّدة، وآخر تلك الثغرات المهمّة ما كشفته مصادر رسمية من عودة قوية لظاهرة التسلل في الدولة، وبمعدل تسعة أشخاص يومياً، يضافون باستمرار للرصيد المتراكم للمخالفين لقانون الإقامة والجنسية والعمل، والذين يزيد عددهم على 300 ألف مخالف بحسب تقديرات غير رسمية. فرغم ضخامة هذه الأرقام، وما تشكِّله من مخاطر اجتماعية وأمنية متعدّدة الأبعاد، فإنه يجب الاعتراف بأن عدد المخالفين ربما يفوق هذا الرقم. والأمر المؤكد في هذه الناحية، أن دولة الإمارات تحتل المرتبة الثانية في الشرق الأوسط، من حيث عدد المخالفين لقوانين الإقامة والعمل على أراضيها، والذين ينحصرون في أربع فئات أساسية: أولاً: المتسللون الذين يدخلون بصورة غير مشروعة إلى الدولة بحراً أو براً ويحاولون كخطوة أولى الالتحاق بالعمل في قطاع المهن الهامشية واليدوية في المناطق النائية بعيداً عن أعين السلطات الأمنية. ثانياً: المخالفون لقانون الإقامة داخل الدولة ممن لديهم إقامة انتهت صلاحيتها ولا يمكن تجديدها لسبب أو لآخر. ثالثاً: المتخلفون من السيّاح والزائرين بعد انقضاء الفترة القانونية لزيارتهم، حيث يدخل هؤلاء إلى الدولة بتأشيرة رسمية لغرض الزيارة أو السياحة، ولكن في نيّتهم البحث عن عمل داخل الدولة. رابعاً: الهاربون من كفلائهم للعمل مع جهات أخرى بشروط أفضل، حيث تشير بعض وسائل الإعلام إلى "أسواق شبه نظامية" ومناطق تجمّع معروفة لهذه العمالة، وأن بعض الشركات الكبرى تستعين بهم في تنفيذ المشروعات، معلِّلة ذلك بارتفاع رسوم استقدام العمالة. مع التسليم بالجهود الأمنية التي تبذل في هذا الاتجاه، إلا أن الطبيعة التراكمية للظاهرة، وتواطؤ بعض الشركات الخاصة أو الأفراد مع هذه الفئات الأربع من المخالفين، يحدّ كثيراً من المعالجات القانونية والإجراءات والملاحقات الأمنية، التي تبدو جميعها غير كافية مع أهميتها، بينما يظلّ الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظاهرة، الأكثر فعاليّة لمحاصرتها. فكما هو واضح منطقياً، فإن أياً من عناصر هذه الفئات الأربع لا يمكنه أن يقيم أو يمارس أي نشاط اقتصادي مهما كان هامشياً دون حماية من جهة أو فرد توفر له المأوى والعمل، ومصلحتهم في ذلك إما شخصية أو استغلال ظروف هذه الفئة من العمال وتشغيلها مقابل أجور زهيدة. وبذلك فإن ضبط قوانين الهجرة والإقامة وتشديد مراقبة حدود الدولة تبدو وحدها غير كافية لمكافحة هذه الظاهرة، إذ لابدّ من وجود لوائح وقوانين صارمة تردع المتعاونين والمتعاملين مع هذه الفئات، على أن يكون ذلك ضمن استراتيجية موحّدة ومتكاملة تشترك فيها الأجهزة الحكومية كافة ذات الصلة في إمارات الدولة كافة، وبحيث تتوازى مع ذلك كله استراتيجية توعوية دقيقة لنشر الوعي بخطورة إيواء المخالفين والتحذير من سلبيات هذه الظاهرة وانعكاسات تفاقمها على أمن الفرد والمجتمع على حدّ سواء، على أن تتسم هذه الاستراتيجية بالاستمرارية، لا الموسمية، وانتقاء قنوات الاتصال الملائمة للجمهور المستهدف وبلورة الرسالة في قوالب فنية مستساغة ومقبولة جماهيرياً كي يمكنها تحقيق الهدف المرجو واستكمال بقية خطوات السيطرة على هذا الملف الحيوي. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.