بدت عاصمة الرشيد في الذكرى الرابعة لسقوطها، مدينة فاقدة للروح ولمعنى الحياة وسط ركام الدمار والقتل الطائفي والتهجير القسري، وبدا العراق عن بُعد، مسرحاً وضحية للحسابات الخاطئة والمكلفة، حيث يزداد فريق الخاسرين والمنهزمين ويقل فريق المنتصرين. لا نستطيع بجردة حساب أن نقول من هو المنتصر. لكن نستطيع أن نعدد المنهزمين والخاسرين وفاقدي الهيبة من أميركيين وعراقيين وعرب. أحد تداعيات الحرب في تجلياتها الكبيرة، ذلك الفراغ الاستراتيجي الذي استفادت منه دول كانت ضعيفة ومحدودة بسبب عجز الأقوياء وتراجع سطوة المهيمنين. وهكذا تحول العراق إلى مختبر لتجارب "المحافظين الجدد" الذين لا يزالون ممسكين بالقيادة والقرار في السياسة الخارجية. في الذكرى الرابعة لحرب العراق يبدو المشهد العراقي مرتبكاً ومرشحاً لمزيد من العنف وانسداد الأفق السياسي والعجز العسكري، إلى درجة أن الأميركيين أنفسهم يعترفون بأنه لا حل سوى المخرَج السياسي. كان ملفتاً في الذكرى الرابعة لسقوط بغداد ترديد: "اخرجْ اخرجْ... يا محتل!" من حناجر عشرات الآلاف في النجف في تظاهرة مليونية وحرق العلم الأميركي، وهو علم الدولة التي يراها 94% من العراقيين قوة احتلال. تشعر حكومة المالكي بمزيد من الحصار وسط تهديد التيار الصدري بسحب وزرائه الستة ونوابه الثلاثين الذين أوصلوا المالكي لمنصبه، بسبب رفض الأخير تحديد جدول انسحاب للقوات الأميركية، مما قد يسرع بسقوط الحكومة المترنِّحة، مع تهديدات رئيس إقليم كردستان بالتدخل في شؤون أكراد تركيا إذا تدخلت تركيا في شؤون كركوك. مما دفع برئيس الأركان التركي إلى التهديد بعملية عسكرية في كردستان العراق لتأديب أكرادها. وكأن العراق ينقصه مزيد من التدخل الخارجي! كان معبِّراً تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الذكرى الرابعة لسقوط بغداد عن الحالة الإنسانية لحياة العراقيين المستمرة في التراجع. فتحت عنوان "مدنيون بدون حماية"، يرى التقرير أنه لا توجد أية نتائج واضحة لـ"خطة أمن بغداد" بعد شهرين من بداية العمل بها. فقد أصيبت الخطة بانتكاسة كبيرة مع العمليات النوعية الأخيرة. وبعد أربعة أعوام تتساءل "نيويورك تايمز": من يملك القرار في تلك الحرب ومن سيسحب سلاح المليشيا الطائفية التي هي أقوى من الجيش؟ وكيف نعوِّل على حكومة ضعيفة ومترنحة في تحقيق المصالحة الوطنية وإدماج بدلاً من إقصاء فرقاء وخصوم؟ بعد أربعة أعوام لا يوجد أمن ولا ماء ولا كهرباء منتظمة، ويفتقد العراقيون أبسط مقومات الحياة. بعد أربعة أعوام يبدو الجيش الأميركي أكثر انكشافاً وتمدداً ولا يزال يسقط في أرض العراق بين قتيل وجريح... وتختم الصحيفة تعليقها بالقول إنه "لا توجد فرصة للانتصار هناك". ما يلخص الوضع المأسوي في العراق هو ما استوقفني في تصريح الجنرال المتقاعد "جاك شيهان" وهو واحد من ثلاثة جنرالات عرض البيت الأبيض عليهم منصب المنسق العسكري لحربيي العراق وأفغانستان وكلهم رفضوا العرض. وعلّق "شيهان" بأن الإدارة الأميركية "لا تعلم وجهتها في ظل تخبطها المستمر". ولذلك "بدلاً من قبول العرض والذهاب للعراق والإصابة بالقرحة ومن ثم الرحيل. كان قراري رفض العرض والاعتذار". حقاً إنها نتيجة كارثية لحرب لم تكن ضرورية ولم تحقق أهدافها، بل تسبب القرحة وباقي المصائب والآلام لمن يعتقدون أنهم منتصرون، فماذا عن الخاسرين؟