في عام 1896، وضمن التحقيق الذي جرى بعد وقوع أول حادث دهس في التاريخ، كتب الطبيب الشرعي في تقريره قائلاً: "إن مثل هذا الحدث المؤسف، لا يجب أن يتكرر مرة أخرى". والآن، وبعد مرور أكثر من قرن على تلك الواقعة، لا زالت حوادث الطرق تتسبب في إصابات خطيرة لأكثر من 50 مليون شخص سنوياً، يلقى 1.2 مليون منهم حتفهم. وهو ما يقارب 3 آلاف وفاة، وأكثر من 100 ألف إصابة يومياً. هذا العدد الضخم من الإصابات والوفيات، جعل من حوادث الطرق واحداً من الأسباب العشرة الأولى للوفيات بين أفراد الجنس البشري، ومشكلة رئيسية من مشاكل الصحة العامة، خصوصاً في الدول النامية والدول الفقيرة. وهو ما دفع بالمنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة، وخصوصاً الأمم المتحدة، ومن خلال منظمة الصحة العالمية، إلى إطلاق حملات التوعية المستمرة، بهدف وقف هذا النزيف الإنساني والاقتصادي، والذي أصبح يعرف بنزيف الإسفلت. أحد أبرز تلك الجهود، تم في السادس والعشرين من شهر أكتوبر عام 2005، عندما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على اعتماد الأحد الثالث من شهر نوفمبر، كيوم لذكرى ضحايا حوادث الطرق (World Day of Remembrance for Road Traffic Victims). وتأمل المنظمة الدولية، ومعها بقية المنظمات الخيرية العاملة في هذا المجال، أن يزيد إحياء الذكرى السنوية لهذا اليوم من درجة الوعي العام بعدد الضحايا الذين يسقطون سنوياً. وعلى نفس المنوال، وخلال تلك الجلسة الشهيرة في أكتوبر من عام 2005، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتماد أسبوع كامل لزيادة الوعي بإجراءات الأمن والسلامة على الطرقات (United Nations Global Road Safety Week)، وهو الأسبوع الذي يحل للمرة الأولى هذا الشهر، ما بين الثالث والعشرين والتاسع والعشرين منه. وسيركز هذا الأسبوع بالتحديد، على إجراءات السلامة والأمن من قبل مستخدمي الطرقات صغار السن والشباب، سواء كانوا من المشاة أو من قائدي المركبات الميكانيكية. ويتوقع أن تنظم الدول والحكومات والمنظمات الأهلية العاملة في هذا المجال، المئات من المبادرات والأحداث والاحتفالات، على المستويات المحلية والقومية والإقليمية والدولية، ليتحول هذا الأسبوع إلى مظاهرة عالمية لزيادة الوعي بين الصغار والشباب بمدى خطورة حوادث الطرق، وكيفية تجنب الوقوع ضحية لأحدها. ومن ضمن كل هذه الفعاليات المنتظرة، سيكون أهمها تجمع شباب العالم من أجل السلامة على الطرقات (World Youth Assembly for Road Safety)، والمخطط له أن يتم في مدينة "جنيف" بسويسرا. هؤلاء الشباب سيتوافدون على التجمع من دول ومناطق العالم المختلفة، ويتوقع لهم أن يصبحوا سفراء لسلامة وأمن الطرقات عند عودتهم لبلادهم ومجتمعاتهم. وفي دولة الإمارات -والمنطقة العربية إجمالاً- تأخذ مشكلة حوادث الطرق بعداً خاصاً. فحسب رسالة دكتوراه عن هذا الموضوع، كانت نسبة حوادث الطرق في الدولة مرتفعة جداً، مقارنة مع دول العالم المزدحمة بالسكان مثل الولايات المتحدة والسويد وبريطانيا واليابان. فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة حوادث الطرق في دولة الإمارات بالنسبة لعدد السكان، ثمانية أضعاف حوادث الطرق في اليابان أو بريطانيا، وسبعة أضعاف حوادث الطرق في الولايات المتحدة الأميركية أو السويد. وكما ذكر الباحث في رسالته، ساهمت الوفيات من جراء حوادث الطرق بأكثر من 15% من إجمالي الوفيات بجميع أنواعها وأسبابها، وهي النسبة التي تعتبر مرتفعة جداً بكل المقاييس. أما الخسائر المادية والاقتصادية الناجمة عن الحوادث المرورية في الدولة، فتشير التقديرات إلى أنها تفوق ملياري درهم سنوياً. وحسب مركز بحوث الطرق في جامعة البحرين، تعتبر المنطقة العربية إجمالاً، ومن بعدها منطقة الخليج العربي، من أعلى مناطق العالم في عدد الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق. فحسب إحصائيات المركز، تتسبب حوادث الطرق في مقتل ما بين 12 إلى 23 شخصاً لكل مئة ألف من سكان دول مجلس التعاون. وتأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأكثر تضرراً من حوادث المرور، فقد فقدت المملكة خلال العشر سنوات الأخيرة ما يزيد على 30 ألف قتيل في حوادث الطرق، بينما أصيب من جراء تلك الحوادث ما يزيد على 300 ألف شخص. وفي المغرب، وحسب الإحصاءات الحكومية، تكلف حوادث الطرق الاقتصاد المغربي حوالى 2.1 مليار يورو، أو ما يعادل 5.2% من إجمالي الناتج المحلي. وهي الحوادث التي تخلف أيضاً ما يقرب من أربعة آلاف قتيل وأكثر من أربعة عشر ألف جريح في العام الواحد. أما في الأردن فتحتل حوادث الطرق المرتبة الثالثة بين أسباب الوفيات بجميع أنواعها، ولا يسبقها على هذه القائمة السوداء سوى أمراض القلب والسرطان. وفي مصر، وحسب تقديرات البنك الدولي تتسبب حوادث الطرق في خسائر للاقتصاد المصري تتعدى مبلغ الأربعة مليارات جنيه سنوياً، أو ما يعادل 2% من إجمالي الناتج الاقتصادي المحلي. حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن مصر في العام الواحد، تشهد حوالى 28 ألف حادث مروري، ينتج عنها مقتل ستة آلاف شخص وإصابة 23 ألفاً آخرين. كل هذه الأرقام والإحصائيات، تظهر درجة اللامبالاة في عالمنا العربي في ما يتعلق بالسلامة والأمن على الطرقات، وتبين مدى الاستهتار بأرواحنا وأرواح الآخرين. وهو الواقع المؤسف الذي يؤمن البعض أن أسبوع –أو حتى شهر- السلامة المرورية، لن يغير منه قيد أنملة.