طحطوح اسم عجيب، لكن أفعال صاحبه أعجب؛ وشكله منكر، ويده إلى البطش سريعة، ولسانه لا يكف عن السوء بأقذع الألفاظ، في تربية شوفينية ممتازة. وهو يذكّر بنظيره المصري حمزة البسيوني، بفارق أن الثاني اشتهر وعرف، في حين أن الأول سوري لم يشتهر كالأول، بسبب الإعلام والكتابة عن الثاني، إلى درجة أن الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي، أورد اسمه في مذكراته الشخصية؛ فدخل باب الخلود من أقبح الأبواب. ومما يروى عن البسيوني؛ أنه كان يقول للمعتقلين: أخبروني أين الله؟ وسوف أسجنه في زنزانة؟! تعالى الله عما يقول علواً كبيراً... حتى ختم حياته على أبشع صورة... وذكرت لي الدكتورة فايزة المصرية، أن شاحنة هائلة، اعتلت سيارته، فأصبح لحمه مزعاً، ولما مر الناس بجنبه عرفوه، فأكثروا البصق عليه. ومما يذكر عنه بدوي، أنه كان في مطلع شبابه شاباً خجولاً هادئاً، وهو ما يذكر بالمجرم بول بوت، فقد رأيت له فيلماً في قناة "ديسكفري"، فلم أصدق أن يكون هذا المجرم، مسؤولاً عن موت الملايين في كمبوديا، وهكذا فالإنسان أكثر شيء جدلاً... أما طحطوح فقد رأيته عياناً، وشهدت حفلات تعذيبه رأي العين، وروى لي أحد المعتقلين السياسيين، أنه في سجن القلعة راق لهم يوما، أن يغنوا أغنية سياسية تقول: يا ظلام السجن خيم... إننا نهوى الظلام! فجاء طحطوح، وبدأ يتفنن في التعذيب، فأخرج المساجين جميعاً، ثم أخرج كل أغراضهم البسيطة، من بطانيات وكتب وبقايا طعام بسيط و(زيت كاز) به يدفئون (شايهم) المتعفن، فأمر بإلقاء كل الأغراض، وصب المازوت عليها، وأمر أن يتدحرج المساجين فيها وعليها وبها، فكان يسر أيما سرور بكل تدمير وإهانة، ثم طلب أن يعرف من الذي غنى؟ فلما لم يعرف تحديداً، أخذ شاباً أعرفه، فما زال يضربه بالعصي، ويحب طحطوح الضرب على الرأس، وهكذا فما زال يضرب الشاب، حتى جاءته نوبة صرعية، فاختلج وتشنج وخرج الزبد من شدقيه، والبول من مثانته، وفار الدم عاليا من يافوخه... وأنا كنت شاهداً في إحدى ليالي الرعب، في سجن الشيخ حسن، عندما كان يضرب أبا راكان، وكان قصيراً يطوقه سرب من الذئاب البشرية بالخيزرانات، وطحطوح يوجه الجوقة بالضرب على الرأس، وكان أبو راكان يتوسل لأبي فواز أن يكف عن رأسه بدون جدوى! وكركون الشيخ حسن له حديثه الخاص، ولكن يجب أن يذكر عبرة وموعظة لكل الأجيال العربية، عما فعل طحطوح بالناس، ومن كل الاتجاهات، أما أنا فعرفته من فجوره، حين مثلت بين يديه، وكانت زوجتي حاملاً بطفلها الأول في شهرها الخامس. توجه إليّ المجرم في حديثه حين ذكرت حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقال وما ذا تقول لو أنه كذاب؟ وفي هذه اللحظة أنزل الله عليّ من السكينة، ما لا أعرف مصدره! فأجبته بهدوء، ولكن الله شهد في نبيه غير ما تقول؛ فقال: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وهنا أدركت مقدار الجرعة السمية، التي تحقن بها الأحزاب الأيديولوجية العربية عناصرها ضد الإسلام ونبيه، وتابعت فقلت له، ولكن بحذر شديد؛ لأنه كان أقرب لأفعى الأناكوندا، أو العقارب الضخمة السوداء في جنوب أفريقيا، تلك التي جاءت في فيلم جيمس بوند، قلت له: لماذا لا تصرحون للناس بآرائكم عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة؟ ارتج الشقي قليلاً، وتراجع فقال: لا... لا... ليس الأمر كذلك، وأنا مسلم وأمي حجت بيت الله الحرام... وعرفت بيت الله تماما في معتقله، فقد أجبروني على الوقوف الليالي والأيام ذوات العدد، وأنا أحمل على كتفي واقفا دولاب سيارة، حتى قاربت الموت... وفي الليل كان طحطوح يأتي بعد منتصفه، فيرتج المعتقل، وتهتز السماء، وتنشق الأرض وتبكي طيور الغربان، من حفلات التعذيب الجهنمية طول الليل... إنها أيام لا تنسى في ضمير الغيب، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال لقد أدخل السلطة الرعب إلى كل بيت، وأيقنا فعلاً أن جهنم موجودة... لا ريب فيها.