الجريمة وخلل التركيبة السكانية
عصابة يتراوح عددها بين ستة وثمانية أشخاص، تقتحم مركز "وافي" من أحد أبوابه الرئيسية بسيارتين، وتتوجه إلى محل "جراف" للمجوهرات في الساعة العاشرة مساءً وتكسر واجهته الأمامية، وتتمكن من سرقة معظم محتوياته التي تقدر بنحو 50 مليون درهم، في مدة زمنية قدرتها الشرطة بدقيقة و45 ثانية، في صورة تشبه تماماً ما يحدث في أفلام هوليوود.
خطورة هذه الجريمة تكمن في الدلالات التي يجب أن ننتبه إليها، وأهمها أنها مؤشر قوي على أن حالة الجريمة المنظمة التي كنا نعتقد أننا محصّنون منها، بدأت تظهر بعض مؤشراتها في مجتمعنا الآمن والمستقر. وأكثر ما يقلق ويثير الخشية في هذا الموضوع، أن تصل الجريمة عندنا إلى مستوى السطو المسلح، لاسيما أن حادثة المحل المذكور ليست الأولى تقريباً. والنقطة المهمة في هذا الموضوع، هي العلاقة المباشرة التي تربط بين مستوى الجريمة وتنوعها ودقتها ومعدل انتشارها، وبين حالة الخلل الشديد الذي تعاني منه التركيبة السكانية.
وزارة الداخلية وأجهزة الأمن في مختلف إمارات الدولة، تبذل الكثير من الجهود للحدّ من الجريمة وتوفير مستوى عالٍ من الأمن والاستقرار الاجتماعي في البلاد، لكن هذه الجهود الأمنية قد تواجه صعوبات مصدرها الأول ربما كان خلل التركيبة السكانية ذاتها.
فهناك أكثر من 100 جنسية من خلفيات ثقافية متباينة، وكثير منها دخل البلاد من خلال فئة قليلة لا ضمير لها، تتاجر بالتأشيرات والإقامات وأذونات الزيارة، وتدفع بهم إلى داخل البلاد تحت مسميات وهمية مزيفة ومختلفة، وهي تعرف أنهم لا يمتلكون أبسط شروط العمل، وفي هذه الحالة تصبح هذه الفئة مثل "القنابل الموقوتة" تعيش في ظروف معيشية صعبة فتتجه إلى ارتكاب الجريمة.
لقد تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، عن خطورة هذا الخلل، عند عرضه لاستراتيجية حكومة دولة الإمارات، وذلك حين قال: لدينا نسبة عالية من العمالة المخالفة، وقد حددها بـ300 ألف حسب تقديرات وزارة العمل، وبيّن مدى خطورة هذا الخلل على أمن الوطن والمواطن معتبراً إيواء المخالفين يمثل تهديداً للأمن، وعملاً يصل إلى مستوى الخيانة الوطنية، ومطالباً بسنّ تشريعات مشددة ضد من يقوم بتشغيل العمالة المخالفة وفرض عقوبة تصل إلى السجن.
والحقيقة أن جريمة مركز "وافي" تدعونا إلى إعادة النظر في مفهوم تشخيص حالة الجريمة في الدولة ووضعها تحت مجهر الفحص والتشخيص المنهجي الدقيق، خاصة بعد أن أصبح مرتكبوها على درجة عالية من الحرفية والتنظيم والدقة، لابد من إيجاد رؤية مستقبلية واضحة ودقيقة حول موضوع التنبؤ بمسارات الإجرام الذي قد يحدث في الدولة، وأقصد بذلك إنشاء مراكز أمنية متخصصة لاستشعار حالة الجريمة قبل وقوعها ودراسة علم الجريمة بصورة متخصصة. كما تدعونا تلك الجريمة، والتي هي من نوعية نادرة في بلادنا، إلى إعادة النظر في العديد من القوانين الخاصة باستقدام العمالة، والخاصة بمنح التأشيرة وأذونات الزيارة، ووضع شروط جديدة على موضوع منح التأشيرة أهمها معرفة الموقف الجنائي لطالب التأشيرة، والتدقيق على مكاتب السياحة التي تحول بعضها في السنوات الأخيرة إلى مكاتب للمتاجرة بالتأشيرات والإقامات، وتكثيف الحملات الأمنية لضبط الهاربين والمخالفين، والتدقيق في القادمين إلى البلاد، خاصة من أصحاب السوابق في بلدانهم، والتعجيل في تنفيذ مسار سياسة الإحلال والتوطين التي تعطي العمالة الوطنية مكانتها في أجندة التنمية الوطنية، وتعطيها الأولوية في جميع قطاعات العمل في الدولة.