بينما تتعرض علاقاتها بدول الشرق الأوسط النفطية إلى توترات تؤثر على استقرارها، ومع احتدام الصراع علي السيطرة حول منابع النفط في دول آسيا الوسطى، لم تجد الولايات المتحدة ولا شركاتها النفطية الكبرى أمامها سوى الالتفات إلى قارة أفريقيا كمصدر جديد ومهم لهذه المادة وكموقع للاستثمارات النفطية الأميركية التي تقدر حالياً بمليار دولار سنوياً. ويذهب "جون جازفينيان" أستاذ التاريخ بجامعة أكسفورد، ومؤلف الكتاب الذي نعرضه في هذه المساحة تحت عنوان: "كنز غير مستنزف: التدافع على النفط في أفريقيا"، إلى أن أبرز المصاعب التي اعترضت التوجه الأميركي إلى أفريقيا هو المنافسة الشرسة مع الصين والهند اللتين تعتمدان اعتماداً كبيراً على النفط الأفريقي بسبب حاجتهما الماسة إليه في تدوير عجلة اقتصاديهما المزدهرين. ويقول المؤلف إن الاهتمام المضاعف بالنفط الأفريقي دفعه للقيام برحلة ميدانية يطوف خلالها على الدول الأفريقية المنتجة للنفط، كي يرى مدى تأثر مجتمعاتها بالثروة النفطية، وأن الصورة التي رآها هناك على الطبيعة كانت مختلفة جداً عن الصورة المرسومة في ذهنه حيث لم يجد هناك الرخاء -أو حتى التحسن في أحوال المعيشة- الذي كان يجب أن يكون من العلامات الدالة على الازدهار النفطي في تلك الدول. بدلاً من ذلك رأى المؤلف بؤساً وفاقة وأحزمة فقر... ورأى صراعات داخلية للسيطرة على عملية استخراج وتكرير وبيع النفط والحصول على مداخليه، بين مسؤولين وأشخاص نافذين في تلك الدول، أو بين جماعات متنافسة ترى كل منها أنها الأحق بثمار النفط وأنها هي من يجب أن يملك حق منح امتيازات التنقيب والاستغلال للشركات الأجنبية (والتي تدفع رشاوى كبيرة بالطبع). والمؤلف يكتشف هذه الحقائق من خلال المقابلات واستقصاءات الرأي والتجارب الشخصية التي مر بها أثناء وجوده في تلك البلدان: ففي نيجيريا على سبيل المثال كادت مجموعة من الأشخاص الذين أجرى عليهم استطلاعاً للرأي تفتك به، لولا أنه أكد لهم أنه باحث مستقل وأنه ليس أحد موظفي شركة "شل" التي لا يحسون نحوها بأي ود، بل كانوا، على ما يبدو، يحملون حقداً دفيناً ضدها، إذ يعتقدون أنها تستغل بلادهم وتمتص دماءهم. وفي غينيا الاستوائية تعرض المؤلف إلى تهديد مباشر من مسؤول حكومي كبير إن لم يدفع رشوة وعده بها لإجراء حوار معه. ويقول الكاتب إن هذه الممارسات لا تقتصر فقط على الدول التي تسود الفوضى والفساد علاقاتها مع شركات النفط، وتنتشر بها الصراعات العرقية المندلعة التي تعوق عمليات التنقيب والاستخراج، مثل نيجيريا وغينيا الاستوائية... وإنما تمتد كذلك إلى الدول النفطية المستقرة نسبياً. ويتحدث الكاتب أيضاً عن اختلال التوازن في التنمية الاقتصادية بين الدول النفطية الكبرى في القارة مثل نيجيريا وأنجولا، وبين الدول الأخرى التي تستخرج النفط بكميات أقل مثل الجابون وجمهورية الكونغو والكاميرون... كما يحاول التنقيب في واقع عمليات الحفر البحري في بعض الدول، والنقص الفادح في الإمكانيات التقنية اللازمة لتلك العمليات، واعتمادها المفرط على الشركات البريطانية والتكساسية تحديداً. ويرى المؤلف أن النفط في أفريقيا -كما في أي مكان آخر- كانت له جوانبه الإيجابية والسلبية على حد سواء. فالجوانب الإيجابية تتمثل في زيادة مداخيل دول القارة النفطية الكبرى وبالتالي توافر الأموال اللازمة لإطلاق دولاب التنمية فيها... أما الآثار السلبية فيوجزها في أن تلك التنمية قد اقتصرت على جماعات وفئات ومناطق دون أخرى، كما أن درجة النمو الاقتصادي، ومستوى الزيادة في الدخل القومي في تلك الدول أدت من ناحية أخرى إلى خلق فجوة بينها وبين باقي الدول الأفريقية غير المنتجة للنفط أو حتى تلك التي تنتج النفط بكميات محدودة وتعتمد في توفير احتياجاتها من هذه المادة على استيرادها بالعملة الصعبة من الدول المنتجة، وهو ما يزيدها فقراً على فقر. بعد ذلك ينتقل المؤلف للحديث عن الدور الصيني في القارة السمراء والذي يهدف بالأساس إلى ضمان توفير إمدادات النفط لاقتصادها الذي يشهد نمواً مذهلاً... ويبين كيف أن رغبتها في تأمين النفط قد جعلتها لا تتورع عن دعم أنظمة لا تحظى بقبول دولي بسبب ما ينسب إليها -أي تلك الأنظمة- من تورط في تنفيذ مذابح جماعية على أراضيها. وبعد أن قام المؤلف بجولته في الدول الأفريقية النفطية، وكشف لنا عما يدور فيها، وعن طبيعة الدور الذي يلعبه النفط في اقتصاداتها ومجتمعاتها فإنه لم يقترح -كما قد يتوقع بعض القراء- حلولاً للمشكلات التي تعاني منها دول القارة النفطية بدرجات مختلفة، وهو مما يحسب له في الحقيقة؛ لأنه ليس خبيراً نفطياً وإنما هو رجل مهتم قام برحلة كي يطلع ويرى بنفسه، وأن كل ما يجب عليه في هذا الكتاب أن يصف ما رأى... وحتى لو لم يكن لهذا الوصف والكشف من فضل سوى تزويد القراء بخلفية كافية عما يجري على الساحة النفطية في أفريقيا، لكان ذلك كافياً ومرضياً في نظره، لأنه سيوفر للقراء ولغيرهم من المهتمين زاوية نظر أكثر رحابة على تلك الساحة النابضة بالحركة والواعدة بالأمل. سعيد كامل الكتاب: كنز غير مستنزف: التدافع على نفط أفريقيا المؤلف: جون جازفينيان الناشر: هاركورت تاريخ النشر: 2007