كوارث متتالية روَّعت البلدين "الشقيقين" والجارين المتجاورين -المغرب والجزائر- خلال الأيام الماضية، عشرات من القتلى والجرحى سقطوا من قبل أعداء الحياة في هذين البلدين، وهي هجمات لم تكن الأولى، والتوقعات أنها لن تكون الأخيرة، فأعداء الحياة كثر، ومنابع الإرهاب -فكرية ومالية وتعبوية- لم تجف في عالمنا العربي -بل وفي العالم كله. في خضم حمّام الدم العبثي تبادر المغرب إلى إطلاق مبادرة لـ"التفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء"، وما بين القوسين مأخوذ بالنص من عنوان المبادرة، والمراقب المنصف لابد أن يلحظ أن عنوانها هو للتفاوض، والتوقيت بطرحها يعد تحدياً مغربياً لفرق الموت العبثي الإرهابي، ورسالة لأعداء الحياة بأن الحياة تسير مهما أرهبوا وفجروا، فهم في النهاية خاسرون. كما أنها رسالة تعني أن الإرهاب لن يوقف البناء والتطلع نحو السلم والتعايش في الصحراء الغربية... وفي بقاع الأرض كلها. المراقبون المغاربة يلومون الجزائر بتعطيل مثل هذه المبادرات، والجزائريون يعلنون أن المسألة لا تعنيهم بشكل مباشر طالما أن حق تقرير المصير يتحقق لشعب الصحراء، والمبادرة تبدو أرضية مشتركة تنهي المأساة التي طال أمدها، وتزاوج بين الاستقلال التام الذي تطالب به جبهة البوليساريو وتدعمها فيه الجزائر، وبين الضم الذي ترى فيه المغرب -قبل هذه المبادرة- مسألة لا حياد عنها. لكن المبادرة تزاوج بين الضم والاستقلال، فهي تقرر حق تقرير المصير من حيث الحكم الذاتي، وتضمن انضماماً للصحراء في مجالات السيادة فقط، أي كما يقول المثل الشعبي: "لا يموت الذيب، ولا تفنى الغنم". ما من مراقب منصف ينكر أن المبادرة تنشد تحريك المياه الراكدة، وتحرك الجمود في قضية عربية- عربية بحتة لا شأن لـ"الاستعمار والإمبريالية والصهيونية" فيها، فالمشكلة طرأت بعد رحيل الاستعمار الإسباني عن الصحراء مباشرة. وقفنا نتفرج سنين طويلة على مشكلة دارفور ولم نحرك ساكناً، وها نحن اليوم ندفع ثمن لامبالاتنا أو عنادنا. لبنان يعيش استقطابات بين أبنائه لها امتداد خارجي، وعناد داخلي، ولا تزال جهودنا تراوح في انتظار الانفجار، وفي العراق تركنا الحبل على الغارب حتى هيمنت إيران، وفشل الأميركان. وها هي الصحراء تستغيث بنا للتنادي من أجل السلام فيها، ولا حياة لمن تنادي. على جامعة الدول العربية أن تتحرك قبل فوات الأوان، وقبل التدويل العسكري المباشر، فلقد تركنا دارفور حتى دُوِلت، والعراق حتى احتلت، والصومال حتى تمزقت، ولبنان حتى انشطرت، وها نحن نتفرج على الصحراء الغربية أكثر من ثلاثة عقود ولا نحرك ساكناً. الجزائر بلد عمته فوضى الإرهاب والحرب الأهلية عقدين من الزمان، وبدأ -ولله الحمد- بالتعافي النسبي، وبدأت أوضاعه الاقتصادية في التحسن والتقدم، والمغرب بلد يعد من أكثر الدول العربية ديمقراطية واستقراراً، وطموحاته التنموية والاقتصادية في تسارع وتقدم، والبلدان "الشقيقان" بحاجة إلى تضافر الجهود بدلاً من تشتتها في قضية يمكن التفاهم حولها لو صدقت النوايا وصلحت الأعمال. الاتحاد المغاربي، ومنظمة الوحدة الأفريقية ومنظمة الدول الإسلامية والجامعة العربية وقفت عاجزة أمام مشكلة الصحراء التي طالت وعظمت مأساتها على أهل الصحراء الذين أضحوا ضحايا للسياسة وألاعيبها، وتأتي المبادرة المغربية محاولة لفتح باب الفرج للمشردين والمعتقلين لدى الأطراف المتنازعة. الصحراء الغربية قد تكون من أسهل مشاكلنا العربية- العربية حلاً، لكنها أيضاً السهل الممتنع، وفيها اختبار لقدرتنا على حل مشاكلنا، ورسالة للآخرين بأننا قادرون على حل بعض -وليس كل مشاكل عالمنا العربي العتيد- العنيد.