نهاية الشوط الأول من "ماراثون" الأليزيه... وملامح "جمهورية جديدة" ------------ انتخابات الرئاسة الفرنسية اليوم، ومأزق المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بمحاكمة قتلة الحريري، وتصاعد التدافع السياسي والديني مجدداً في تركيا، موضوعات ثلاثة نعرض لها في جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. انتهت الحملة الانتخابية الفرنسية ليلة الجمعة، وقد قيل الكثير في الصحف الفرنسية لتوصيف هذه الحملة والتقاليد الجديدة التي أرستها في الفضاء السياسي الفرنسي، وفي المقدمة من ذلك تلاعب استطلاعات الرأي العام بالأعصاب، وإن كانت ظلت محافظة إلى حدما على تفوق طفيف لمرشح اليمين التقليدي نيكولا ساركوزي، كما لاحظ ذلك "جان فرانسوا مونتيمون" في افتتاحية كتبها في "لوكورييه بيكار". أما في افتتاحية "صفحة جديدة" بعدد لوفيغارو ليوم أمس السبت فقد اعتبر نيكولا بيتو أن استحقاق اليوم الانتخابي، سيكون فرصة مناسبة لطي صفحة كاملة من تاريخ فرنسا، والملفت أن المرشحين الأبرز اليوم لم يكن أي منهم رئيس وزراء ولا رئيس جمهورية منتهي الولاية، وبالتالي فإن الخيار بين المرشحين الأربعة الرئيسيين في ماراثون الالأيزيه سيؤدي على أي حال إلى عهد سياسي جديد. ويتساءل الكاتب: على ماذا نصوت؟ مجيباً بأن الموضوع الجدير بتصويت الفرنسيين اليوم هو جعل فرنسا لا تخاف أعراض العولمة. وهي إجابة يعقبها بسؤال آخر: لمن نصوت؟ وإذا كانت الإجابة غير معلنة صراحة فإنها مفهومة بما فيه الكفاية، فالمقصود ساركوزي، الذي يقدم نفسه باعتباره القادر على الدفع بفرنسا دون عقد في أتون العولمة والليبرالية ذات المسحة التجديدية، وأيضاً ذات الملامح الأنجلوساكسونية. وفي افتتاحية أخرى بصحيفة "الإيست ربيبليكان" اعتبر بيير تاريبو أن القلق الظاهر الذي أبداه الجمهور الفرنسي تجاه برامج الحملة يعكس عدم ثقة في النخبة السياسية المتسابقة لشغل قصر الأليزيه، وذلك لكونها نخبة ينقصها الكثير من القدرة على الإقناع، ومن الرؤية. وفي افتتاحية أمس بصحيفة ليبراسيون -ذات النزعة اليسارية- اعتبر لوران جوفرين أن "فرنسا تريد التغيير. فقد تعبت من نخبها الحالية، ولذا فهي تبحث عن قادة جدد، وعن مقاربة سياسية جديدة، بل وعن جمهورية جديدة"، ذلك أن كل هذا الإحباط الذي امتد طيلة عقدين من الزمن يملي اليوم على الفرنسيين ضرورة أن يكون خيارهم الوحيد هو إحداث تغيير جذري في أفق البلاد السياسي وقمة هرم السلطة فيها. أما في صحيفة لومانيتيه –الشيوعية- فقد كتب بيير لوران افتتاحية دعا فيها الناخبين للتصويت لصالح اليسار لقطع الطريق على ساركوزي تحديداً حتى لا يفرض أجندته اليمينية المتشددة، وعلى جان ماري ولوبن أيضاً، حتى لا يعيد فرنسا إلى أجواء كابوس 21 أبريل 2002 عندما فاجأ الجميع بالوصول إلى الشوط الثاني مقصياً زعيم اليسار ليونيل جوسبان، يومذاك. وذكَّر الكاتب الناخبين الفرنسيين بدعوة مرشحة حزبه –الشيوعي- ماري جورج بيفيه، إلى عدم تفويت الفرصة من الدور الأول على "التغيير". وفي "نوفل دالزاس" كتب أوليفييه بيكار افتتاحية، أكد فيها أنه بالنظر إلى أن الكتلة الرئيسية من ناخبي اليمين الفرنسي مستنفرة بقوة وأن ناخبي اليسار مستنفرين أيضاً خوفاً من تكرار خروج مبكر كذلك الذي حصل سنة 2002، فإن نتائج الاقتراع في الشوط الأول يتوقع أن تكون مضغوطة ومتقاربة للغاية، وبالتالي فإن عدم حدوث مفاجأة يراهن عليها كثيرون الآن قد يكون في النهاية هو "المفاجأة". أما في "لا تريبين" فقد لاحظ باسكال أوبير أن كثرة تردد كلمة "قطيعة" في الحملة الانتخابية ليس مجرد عرض من أعراض بلاغة الحملة وإنما هو تعبير عن رغبة واسعة في بزوغ مرحلة جديدة في البلاد. محكمة الحريري... أفق مسدود: كتبت منى نعيم مراسلة لوموند في بيروت عن زيارة نيكولا ميشال المستشار القانوني للأمم المتحدة وما انتهت إليه جولته الأخيرة في بلاد الأرز مؤكدة أن طريق تشكيل المحكمة ما زال مسدوداً، وذلك نتيجة لاستمرار اعتراضات "حزب الله" وبعض أطراف المعارضة اللبنانية. وقد أبرزت الكاتبة في هذا السياق تصريح ميشال الذي قال فيه إنه إذا كان هدف "حزب الله" وأنصاره هو "تعطيل الملاحقة القانونية ضد الأشخاص المشتبه في تورطهم (في اغتيال الحريري)، فإننا لن نستطيع إيجاد لغة خطاب مشتركة"، أما إذا كان الهدف هو "ضمان أن تكون المحكمة (ذات الطابع الدولي) مستقلة وكفؤة... فإن إيجاد تلك اللغة المشتركة ممكن". وقد ازداد الموقف تعقيداً مع تأكيد أطراف في "حزب الله" أن لديها تحفظات عديدة على النظام الداخلي للمحكمة، ولكنها لن تقدمها إلا إلى حكومة "دستورية وشرعية" وهو ما لا ينطبق من وجهة نظرهم على الحكومة اللبنانية الحالية منذ استقالة ستة وزراء منها في نوفمبر 2006، ومن ضمنهم الوزراء الخمسة الممثلون للطائفة الشيعية. وتذهب منى نعيم إلى أن الاتجاه السائد في الأوساط المحيطة بميشال هو أن الحل في النهاية قد يأتي على يد الأمم المتحدة، من خلال فرض المحكمة بقرارات تدخل ضمن البند السابع، وهي عملية صعبة قد تستمر تجاذباتها على امتداد عام كامل. تركيا والتدافع السياسي – الديني: في صحيفة لوفيغارو ليوم أول من أمس كتب رئيس تحرير الشؤون الدولية بيير روسلين افتتاحية بعنوان: "صعود المخاطر في تركيا"، قال فيها إن تكرار حوادث القتل على أساس ديني يقتضي من أنقرة إيلاء عناية بالغة لصيانة حقوق الأقليات الدينية، فبعد مقتل رجل دين كاثوليكي إيطالي، في فبراير 2006، وبعد اغتيال الصحفي ذي الأصول الأرمنية "هرانت دنك" في يناير الماضي، جاء ذبح ثلاثة أشخاص –من ضمنهم ألماني- يوم الأربعاء الماضي في شرق البلاد ولأسباب ذات صلة بكونهم مسيحيين. ودعا الكاتب أنقرة إلى أن تضع في الحساب أن من يتطلع نحو عضوية الاتحاد الأوروبي لابد أن يضع حرية الاعتقاد والتسامح في مقدمة أولوياته. صحيح أن هذه الجريمة تأتي في وقت دخلت فيه مفاوضات أنقرة وبروكسل في مأزق، خاصة بعد تعدد الإشارات السلبية التي تلقاها الأتراك من أكثر من عاصمة أوروبية، إلا ضمان حرية المعتقد عموماً هي علامة من علامات دولة القانون والحرية التي تسعى تركيا لتكريسها. كما يرى روسلين أن أجواء التجاذب الحالية في تركيا ليست أسبابها خارجية أوروبية فقط، بل إن لترشيح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لمنصب رئيس الجمهورية، صلة بحالة الاحتقان العامة السائدة. فالعلمانيون الكماليون يتهمون أردوغان بأن لديه "أجندة سرية" يسعى من خلالها إلى "أسلمة" بلاد أتاتورك، وذلك من خلال التمويه بسياسته الأوروبية. فمن مبادئ الانضمام إلى أوروبا تأمين الحرية الدينية، وهذا معناه التخفيف من غلواء العلمانية الكمالية المناهضة لكل مظاهر التدين في المجتمع التركي، مع ما يترتب على ذلك من تخفيف للقبضة العسكرية على مفاصل الحياة العامة في البلاد. كما أن وصول أردوغان إلى منصب الرئاسة سيجعل حزبه مسيطراً على الحكومة والبرلمان، ورئاسة الجمهورية في وقت واحد، خاصة أن هذا المنصب الأخير يعطيه هو حق تعيين القضاة ورؤساء الجامعات وكبار موظفي الدولة، ما يعني في النهاية تمكنه من صناعة نخبة سياسية جديدة على الطريقة التي يريدها هو وحزبه الإسلامي. أما في مجلة لونوفل أوبسرفاتور فقد اعتبر "سميم أوغكونول" الباحث المتخصص في الأقليات الدينية بتركيا، أن مقتل الرجال الثلاثة يوم الأربعاء الماضي ذو صلة بما يقال عن دورهم في التبشير الديني بالمسيحية، وخاصة أن منطقة وسط الأناضول التي قتلوا فيها تعتبر منطقة تكتسحها التيارات القومية التركية، وهناك ينظر إلى المبشرين الدينيين على أنهم عملاء للغرب وللإمبريالية، ومعادون لتركيا. إعداد: حسن ولد المختار