تزامنت استراتيجية حكومة دولة الإمارات مع احتفال جامعة الإمارات بتخريج الدفعة الـ26 من خريجيها.. وكان من ضمن خطط الحكومة الاهتمام بالتعليم والتعليم العالي على وجه الدقة. والسؤال الذي يطرح نفسه ضمن هذا السياق بأي فكر تخرج هذا الشباب المفعم بروح الأمل والأحلام. فقد كانت جامعة الإمارات تزخر بأسماء لامعة في سماء الفكر، وكانوا مدرسة بحد ذاتهم، فبمجرد أن يجلس الطالب بين يدي هذا الأستاذ حتى يفاجأ بكم العلم المنساب مترقرقاً فياضاً. اليوم اختزلت هذه المدارس، ولم يبق إلا دروس تكرس السرعة والخلاص من مواد دراسية تشكل عبئاً أكثر من كونها مادة استمتاع وفائدة. فأروقة الجامعة اليوم تكتظ بالأساتذة الأجانب الذين لا يحملون إلا أوراقاً متفرقة وفكراً سطحياً وحقيقة راسخة في أنهم يقعون ضمن دائرة تعليمية هامشية تسعى لتهميش دور الطالب والأستاذ في ذات الوقت. فالمقيم لمخرجات الجامعة اليوم وقبل سنوات سيلحظ الفرق في مستوى الطالب الفكري وفي شكل هويته المترسخة وفي اعتزازه كونه من أبناء هذا الوطن. فمنذ اجتياح الفكر الأجنبي للجامعة، والأمر يزداد سوءاً وحلكة سوداء وكأن الأمر يسير نحو مصير محقق من العتمة والتسطيح لذهنية طالب يحتاج لمرحلة جامعية زاخرة تكون ركيزته وإرثه لعالم العمل والأعمال. فبعد سنوات من هذا الاجتياح لم تحقق الجامعة قفزة ملحوظة في المجال الإداري، بل تعاني من أزمات مالية خانقة لم تلتفت إلى حجم الرواتب والمزايا المدفوعة لهذا الأجنبي الذي لم يكن أداؤه يقع ضمن هذه المبالغ المدفوعة. ناهيك عن كون الطالب وهو العنصر الأهم في كل هذه التفاصيل، قد فقد الكثير من احتفاليته لانتمائه لجامعة كجامعة الإمارات، ناهيك عن كونه فقد ارتباطه بجامعته كما فعل سابقوه وكانت ذكرياتهم الجامعية أجمل محطات العمر على الإطلاق. في أي مكان تعليمي أو غير تعليمي تكون هناك خطة وتنفيذ وتقييم، أين هذا التقييم بعد مضي كل هذه السنوات؟ ما هو الإنجاز الحقيقي لكل عمليات التحول والتغيير التي دخلتها الجامعة ذات يوم؟ ماذا تحقق من تميز لافت بعد كل هذا الوقت. المتواجدون في الحقل يقولون لاشيء سوى الكلام.. ومخرجات الجامعة وقعت في فخ التخبط والحيرة، والإدارة وضعت في قوالب جامدة لا تعرف كيف بالإمكان التقدم نحو الأمام. وكيف تترك جامعة بهذا التاريخ أساتذتها يلجأون إلى التقاعد بعد كل ما أنفقته الجامعة على تحصيلهم العلمي طوال سنوات دراستهم؟ لو لم تكن البيئة طاردة لما كان هذا التقاعد بهذا الحجم المثير للتساؤل والاستغراب. استراتيجية الحكومة تجاه التعليم تحتاج أولاً إلى تقييم منصف يقوم به مخلصون أولاً وآخراً وبعدها تكون الخطط الجديدة الموازية لطموح دولة لا تعترف إلا بالامتياز وتتفق مع رؤى أبناء الوطن نحو تعليم ينصف عقول أبنائه ويمنحهم فرصة التألق بعد كل هذا الهدر لطاقات لم يتمكن التعليم من استيعابها. الأمر ليس صعباً بقدر ما يتطلب نية صادقة و عزيمة أصدق للقفز فوق كل هذه الهوات المصيبة في مقتل.