من بين دروس وأهداف و"رسائل" عديدة تضمنتها الاستراتيجية الاتحادية، هناك "رسالة" ضمنية مهمّة موجّهة إلى الإعلام المحلي؛ فالصراحة والشفافية ونقد الذات بهذه اللغة غير المسبوقة عربياً، هي بحدّ ذاتها رسالة غير مباشرة إلى صحافتنا وإعلامنا المحلي. استنباط "الرسالة" نابع بالأساس من أن الرهان على شفافية الأداء وتكريس ثقافة المحاسبة والمساءلة والشفافية في المجالات كافة، مرهون بشكل كبير بمقدرة الصحافة على الاضطلاع بالدور المنوط بها. صحيح أن هناك من ينتهج سياسة "الأبواب المغلقة" في العلاقة مع الإعلام والإعلاميين، وصحيح أن هناك سوء فهم ربما يكتنف علاقة الإعلام ببعض المسؤولين، وصحيح كذلك أن هناك من يحصر دور الإعلام في قالب نمطي تقليدي، ولا يرى للصحافة مهمة سوى مهمة نشر تصريحاته وتغطية أجندة العمل اليومية للوزارات أو الدوائر الرسمية، وإن فعلت غير ذلك، فيمنع مندوبوها وممثلوها من دخول الباب الرئيسي للوزارة أو المؤسسة، وتفرض على الصحيفة إجراءات المقاطعة؛ ولكن ذلك كله لا ينفي مسؤولية الإعلام المحلي عن أوجه القصور التي تكتنف أداءه في المرحلة الراهنة، ولا ينفي حاجته إلى قطع خطوات كبيرة من أجل التطور ومواكبة الطموح والتحديات وأداء دوره المنشود. الصحافة مهنة البحث عن الحقيقة والمعلومة، وتسليط الضوء على القضايا والموضوعات التي تهمّ المجتمع. فالإعلام شريك حقيقي في تنفيذ خطط التنمية؛ وبعيداً عن "التنظير" والمثاليات نقول إن المرحلة المقبلة بحاجة إلى صحافة تستوعب ما يدور حولها من قفزات متسارعة في مختلف القطاعات، وأن تصبح أكثر التصاقاً بهموم المجتمع وقضاياه وإشكالياته، وتناقشها بروح مغايرة لما هو سائد. فالممارسة الصحفية الحقيقية غائبة أو مغيّبة في معظم الأحوال عن كثير من صحفنا المحلية لاعتبارات لم تزل مثار نقاش وجدل بين المتخصصين والمهتمين. الإعلام هو مرآة المجتمع في مختلف أحواله، وفي حالتنا هذه، يبدو واضحاً أن الإعلام -وتحديداً الصحافة- بحاجة إلى قطع خطوات نوعية إلى الأمام، كي يتخلص إعلامنا من متاعبه ويلحق بمسيرة المجتمع الاقتصادية والسياسية والثقافية. مجتمعنا بحاجة إلى صحافة تعكس صورة الوطن وهويته، وتعالج قضاياه وإشكالياته أولاً بأول، وتسلّط الضوء على الثغرات وتحقق في أي قصور، وتكشف عن أي فساد مهما تضاءل أثره، وتدرك تراتبية الأولويات لدى القرّاء. (الاستراتيجية الاتحادية) طرحت قضايا وإشكاليات تتطلب شراكة حقيقية بين الجهات المعنية والإعلام من أجل معالجتها، وفي مقدمة هذه القضايا ملف المخالفين، وتطوير التعليم، وكشف أوجه القصور، وتكريس ثقافة المساءلة والمحاسبة، وبعض هذه القضايا والموضوعات يتطلّب دعماً إعلامياً نوعياً لتعزيز مستويات الوعي الجماهيري بها، وإشراك الجمهور في إيجاد الحلول وطرح البدائل المناسبة للتعاطي مع هذه القضايا والإشكاليات. إن صياغة استراتيجيات إعلامية مدروسة ومحددة لصحافتنا المحلية، تتطلب بالأساس الاهتمام بملف التوطين بهذه الصحف، وتعزيز خطط التدريب وميزانياته لإعداد أجيال متلاحقة من الصحفيين والصحفيات، كي يمكن الحديث عن تلاقٍ فكري حقيقي بين الصحافة المحلية والجمهور المستهدَف، الذي يطمح إلى مناقشة قضايا وأولويات تمسّ حياته بشكل مباشر، خصوصاً أن هناك تجارب إعلامية محلية ناجحة في قطاعات إعلامية مثل الإذاعة، استطاعت الوصول إلى قاعدة جماهيرية كبيرة، في وقت يتكاثر فيه الحديث عن تراجع دور الإذاعة المسموعة تحت ضغط المدّ الهائل لبقية الوسائل الإعلامية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.