"ولد الشيخ"... تحديات على طريق "التغيير الهادئ" في يوم الخميس الماضي، التاسع عشر من أبريل الجاري، تحول الانقلاب العسكري الذي شهدته موريتانيا في أغسطس 2005 والذي أطاح بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع إلى عرس ديمقراطي، لم يحدث من قبل في المنطقة العربية. فالعقيد اعلي ولد محمد فال، رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، الذي ترأس البلاد خلال التسعة عشر شهراً الماضية، قد سلم السلطة إلى الرئيس الموريتاني الجديد سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله الذي فاز في 25 مارس الماضي بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بحصوله على 53% من أصوات الناخبين. لكن انتقال السلطة في موريتانيا على هذا النحو، وبهذه الطريقة التي نالت إعجاب المراقبين عرباً كانوا أم أفارقة أم غربيين، يفرض تحديات جمة على الرئيس الجديد. عسكر موريتانيا أوفوا بوعودهم وسلموا البلاد لسلطة مدنية منتخبة، بعد أن أكدوا خلال الشهور الماضية رغبتهم في التحول الديمقراطي وإرساء مرحلة جديدة في البلاد، خاصة وأن المادة رقم 26 من الدستور الموريتاني المعدل، تنص على أن الرئيس يُنتخب لمدة خمس سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر، والمادة رقم 28 تنص على أنه يمكن إعادة انتخاب الرئيس لمرة واحدة، وهما مادتان يُحظر على الرئيس تغييرهما. لاشك أن حفل التنصيب الذي أقيم بقاعة قصر المؤتمرات بقلب العاصمة نواكشوط، والذي رصدت له ميزانية تصل إلى نصف مليون دولار (أي ما يعادل 170 مليون أوقية موريتانية)، يشكل في حد ذاته قوة دفع للرئيس الجديد سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، فبالإضافة إلى حضور جون نيجروبونتي مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، ووزيرة الدفاع الفرنسية ونائب وزير الخارجية الإيراني ورئيس مجلس الأمة الجزائري، حضر الحفل ممثلون عن أكثر من عشرين دولة ومنظمة إقليمية ودولية من بينهم رؤساء دول أفريقية (السنغال ومالي وتوجو وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر) ورؤساء وزراء ثلاث دول أخرى هي المغرب والجابون وساحل العاج. "ولد الشيخ" وعد بتغيير هادئ وعميق، في البلاد، فهل تكون حكومته المقبلة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية في آن؟ داخلياً، قد تكون خبرات ولد الشيخ الاقتصادية موائمة لإدارة دفة البلاد نحو إصلاح ينتشل الموريتانيين من الفقر، فالرئيس الجديد، من مواليد عام 1938 بمدينة ألاك الواقعة على بعد 250 كيلو متراً شرق نواكشوط، درس الاقتصاد في فرنسا، ليعود منها عام 1968 حاملاً شهادة الدراسات المعمقة في الاقتصاد، ليصبح إبان حكم المختار ولد داداه مديراً للتخطيط ، ثم عضواً في الحكومة الموريتانية خلال الفترة من 1971 إلى 1978، وأثناء هذه الفترة شغل حقائب وزارية متنوعة من ضمنها وزارة الدولة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى أنه عمل خلال الفترة من 1982 إلى 1985 مستشاراً اقتصادياً للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وشغل منصب وزير المياه والطاقة ثم وزير الصيد والاقتصاد البحري بين عامي 1986 إلى 1987، إبان حكم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع ثم عاد إلى الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية كمستشار للوزير المكلف بالتخطيط في دولة النيجر ثم مستشاراً لوزير المالية بالدولة ذاتها. هذه الخبرة الاقتصادية الطويلة تجعل ولد الشيخ عبدالله مؤهلاً لإحداث تنمية اقتصادية، تنتشل نصف سكان موريتانيا من وطأة الفقر المدقع (بدخل يقل عن دولار في اليوم)، وتجذب الاستثمارات الأجنبية وتكافح الفساد، وتوفر بنى تحتية قوية، ولاشك ستتحمل الوزارة الجديدة برئاسة مرشح الرئاسة السابق الزين ولد زيدان المسؤولية عن تنفيذ هذه الأجندة الإصلاحية الصعبة. لكن إذا كان عبء المهمة الاقتصادية يطل برأسه على هذه المرحلة الجديدة في بلاد شنقيط، فإن ثمة تحديات سياسية داخلية منها تعزيز حرية التعبير، وفتح المجال أمام التنظيمات السياسية من دون استثناء قوى بعينها، في ظل مناخ إقليمي تطغى عليه الحرب على الإرهاب، لاسيما بعد تفجيرات الجزائر الأخيرة والتفجيرات الانتحارية في الدار البيضاء، وتصاعد تهديدات تنظيم "القاعدة" في شمال أفريقيا. ولعل حضور "نيجروبونتي" مساعد وزيرة الخارجية الأميركية حفل تنصيب "ولد الشيخ" يحمل رسالة ضمنية منها أن واشنطن انتقلت من المرحلة التي كانت تزاحم فيها النفوذ الفرنسي في شمال أفريقيا وغربها إلى الاستعداد للدخول مع دول هاتين المنطقتين في شراكات اقتصادية وأمنية وربما عسكرية في وقت لاحق، وهو سيناريو في حال وقوعه، سيشكل اختباراً مهماً للديمقراطية الوليدة في نواكشوط. وثمة تحدٍ داخلي على الرئيس الموريتاني الجديد مواجهته، وهو محاولة تنشيط الساحة السياسية في البلاد، ومحاولة تحييد العسكر، أو تخفيف سطوتهم على القرار السياسي، فعلى الرغم من أن أحداً لا ينكر جميل المجلس العسكري بزعامة "اعلي ولد محمد فال" في تهيئة الأجواء لانتخابات رئاسية نزيهة، فإن المشهد السياسي الراهن ليس إلا نتاجاً لانقلاب عسكري، وهو ما جعل كثيراً من المحللين داخل موريتانيا يشككون قبيل الانتخابات في نوايا المجلس العسكري تجاه تسليم السلطة للمدنيين، خاصة وأن الرئيس الجديد تربطه علاقات، قيل إنها وثيقة ببعض أعضاء هذا المجلس، الأمر الذي يتطلب تدشين مؤسسات قوية سواء أكانت حزبية أم قضائية أم تشريعية لتقود التحول الديمقراطي في البلاد وتصون الدستور والحريات وتضمن بقاء التجربة بزخمها ووهجها، وتحقق ما تطرق إليه الرئيس "ولد الشيخ" في خطاب تنصيبه من ضمان للوحدة الوطنية والإصلاح وتفعيل الديمقراطية واحترام القانون والمشاركة السياسية. يأمل الموريتانيون في أن ينجح رئيسهم الجديد في تحقيق ما أسماه "تغييراً هادئاً وعميقاً"، خاصة في المجال الاقتصادي، لكن يبقى وهج التجربة الموريتانية، وموجة الإعجاب بالانتقال السلمي للسلطة من مجلس عسكري قاد "انقلاباً أبيض" منذ أقل من عامين، ورقة ضغط على "سيدي ولد الشيخ"، ستدفعه، كأول رئيس مدني منتخب للبلاد، نحو بذل ما في وسعه لإحداث نقلة نوعية في الإصلاح الاقتصادي والسياسي. طه حسيب